لإثبات ما اشتمل عليه أو نفيه ومع هذا فهو يمكن حمل الشهود على حالة سمعوها من الحاكم وتعقب ما يخالفها وعلى كل حال فمع إكذابهم لا يبقى لشهادتهم موضع من الصدق قط فضلا عن العمل بها.
قوله: "ومن يسقط عنهم حقا كمالك غير مالكهم".
أقول: هذه الشهادة وإن أسقطت عنهم حقا للأول فقد أثبتت عليهم حقا للآخر فمن حيث إسقاطها عنهم حقا للأول كأنهم شهدوا لأنفسهم والشهادة للنفس لا تصح وهكذا الكلام على قوله: "أو غير ذي اليد في ولائهم".
قوله: "ولغير مدع".
أقول: قد قدمنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما عمادان من أعمدة هذا الدين ولا يتوقف وجوب ذلك على مطالبة ذي الحق لأن الاستيلاء عليه وهو في ملكه غصب ومظلمة له ظاهرة فأقل أحوال من علم بحقيقة الحال أن يخبر من له الحق بذلك أو يخبر من يقدر على إنصافه ورفع مظلمته فالرجوع إلى هذين الأصلين العظيمين يغني عن الرجوع إلى ما تعارض من حديث: "خير الشهداء الذي يؤدي شهادته قبل أن يستشهد"، وحديث الذم للقوم الذين يشهدون ولا يستشهدون.
وأما ما قيل من أن عدم صحة الشهادة لغير مدع مجمع عليه فما أكثر هذه الدعاوى على إجماع المسلمين مع تعسره بل تعذره كما أوضحنا ذلك في إرشاد الفحول وهكذا الكلام في قوله: "وفي حق آدمي محض".
قوله: "ومن فرع اختل أصله".
أقول: مثل هذا لا يحتاج إلى التنصيص عليه للعلم بأن شهادة الفرع إنما هي في حكم التأدية لشهادة الأصل فاختلال الأصل مستلزم لاختلال فرعه شرعا وعقلا وعادة وإذا حكم الحاكم بشهادة الفرع الذي اختل أصله فحكمه هباء وسراب بقيعة لا يحتاج فيه إلى أن يقال إنه ينقض فإنه لم ينعقد من الأصل.
قوله: "ولا بما هو وجد في ديوانه إن لم يذكر".
أقول: القاضي مأمور بأن يحكم بحكم الله عزوجل ولا يكون ذلك إلا بإقرار أو شهادة أو يمين فكيف يقع في ذهن من تعرض للتصنيف أنه قد يحكم بما وجد في ديوانه مع عدم الذكر لسبب ذلك الذي وجده وأي مدخل لهذا في الأسباب الشرعية وكيف يظن بقاض من المسلمين أن يحكم بمثل هذا حتى يقال له ولا يحكم بما وجد في ديوانه إن لم يذكر وأي فائدة لذكر مثل هذا ومع ذلك فهو من أحكام القضاء لا من أحكام الشهادات فكان تأخيره إلى باب القضاء أولى ولكن المصنف رحمه الله قد حبب الله إليه في كثير من مباحث هذا الكتاب التطويل والتكرير فإن غالب ما ذكره في هذا الفصل قد تقدم في فصل من لا تصح شهادتهم.
وأما قوله: "ويصح من كل من الشريكين للآخر" إلخ فالوجه أنه لا مانع من هذه الصحة