هذه الحالة التي هو عليها وقد استوفيت وجوه الترجيح في كتابي الذي سميته إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول بما لم أسبق إليه فمن رام شفاء النفس واندفاع اللبس فعليه ذلك.
[فصل
ويصح في غير الحد والقصاص أن يرعي عدلين ولو على كل من الأصلين لا كل فرد على فرد ويصح رجل وامرأتان ولو على مثلهم لا ذميين على مسلم ولو لذمي وإنما ينوبان عن ميت أو معذور أو غائب بريدا يقول الأصل اشهد على شهادتي أني أشهد بكذا والفرع أشهد أن فلانا أشهدني أو أمرني أن أشهد أنه شهد بكذا ويعينان الأصول ما تدارجوا ولهم تعديلهم] .
قوله: "ويصح في غير الحد والقصاص أن يرعي عدلين".
أقول: لم يأت في شيء من الأدلة ما يدل على أن الشاهد يجوز له أن يشهد على شهادته شاهدا آخر بل أوجب الله سبحانه على الشهود أن يأتوا بالشهادة التي تحملوها فقال: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقر: 282] ، وقال: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ، فلا يجوز هذا الادعاء بعدم وروده في الشرع فإن عرض للشاهد عذر يخشى معه فوته كالمرض أو عرض له سفر إلى مكان بعيد كان الإرعاء ها هنا جائزا لأنها قد اقتضته الضرورة وفي وتركه إضرار بمن له الشهادة وتفويت لحقه فوجب السعي في تلافي الأمر بحسب الإمكان وهذا غاية ما يمكن ومما يقوم مقام الإرعاء إذا لم يكن أقوى منه أن يكتب الشاهد شهادته بخطه إذا كان معروف الخط أو يكتبها بخط من يعرف خطه ويشهد على ذلك فإنها قد وردت الأدلة الصحيحة الدالة على العمل بالكتابة الصحيحة في مواضع من الكتاب والسنة وورد ما يدل على قبولها على العموم.
وأما قوله: "في غير الحد والقصاص" فوجه عدم قبول الإرعاء في الحد أنه يسقط بالشبهة وقد يمكن أن يأتي الشاهد في شهادته إذا شهد بنفسه بما يفيد الشبهة وهذا وإن كان تجويزا بعيدا جدا لكن درء الحدود بالشبهات يقتضي مثل هذا وقد قدمنا أنه لا يشترط اجتماع الشهود على الحد فغاية ما هنا أن ينتظر الشاهد حتى يزول عذره ثم يحضر للشهادة فإن تعذر حضوره وانخرم به النصاب لم يثبت الحد.
وأما القصاص فلا وجه لاستثنائه بل يجوز الارعاء مع العذر أو الشهادة بالكتابة الصحيحة ولكن المصنف بنى هنا على ما قدمه في أول كتاب الشهادة من اشتراط أن يكون شهود القصاص أصولا.