وأما قوله: "وإن تاب إلا بعد سنة" فتوقيت لا يوافق رواية ولا دراية ومجرد وقوع التوبة وتحققها تمحو عنه ما اتصف به من سلب العدالة ويرده ويرده إلى الاتصاف بها.
قوله: "ومن له فيها نفع".
أقول: وجه هذا قد صار بهذا النفع العائد إليه مظنة للتهمة عند الحاكم فإن كان بمكان من العدالة بحيث لا يؤثر فيه مثل ذلك فهو عدل مرضي فلا وجه لرد شهادته لوجود الشرط المعتبر فيه وفي حديث عمرو بن شعيب المتقدم قريبا زيادة بلفظ: "ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت"، والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت والوجه في عدم قبول شهادته ما يتهم به بسبب ما له من المنفعة من المشهود لهم وهكذا الوجه في قوله أو دفع ضرر أو تقرير فعل أو قول فإن المانع من القبول في جميع هذه هو كونهم مظنة تهمة لما يجلبونه إلى أنفسهم من النفع أو يدفعون به عن أنفسهم من الضرر أو يقررون به قولهم أو فعلهم فإن انتفت التهمة وانتفت المظنة فلا عذر من القبول لوجود الشرط المعتبر كما قدمنا.
وأما عدم قبول شهادة ذي السهو فوجهه واضح لأنه مع كثرة سهوه لا يوثق بشهادته لجواز أن يسهو عن بعض ما شهد به مما لا تتم الشهادة على وجه الصواب إلا به.
وهكذا شهادة ذي الحقد لأنه قد صار بحقده على المشهود عليه مظنة تهمة توجب عدم قبوله وفي حديث عائشة المتقدم قريبا زيادة بلفظ: "ولا ذي غمر لأخيه ولا ظنين ولا قرابة" وفيه المقال المتقدم وروي من حديث عمر بلفظ: "لا تقبل شهادة ظنين ولا خصم" قال ابن حجر: ليس له إسناد صحيح ولكن له طرق يقوي بعضها بعضا ومن ذلك ما رواه أبو داود في المراسيل من حديث طلحة بن عبد الله ابن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مناديا أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين وروى البيهقي أيضا من طريق الأعرج مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجوز شهادة ذي الظنة والحنة"، يعني الذي بينك وبينه عداوة وروى الحاكم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مثله وفي إسناده نظر وهكذا لا تقبل شهادة ذي الكذب وهو أقبح هؤلاء المعدودين حالا وأبعدهم عن العدالة التي لا شهادة بدونها.
وأما قوله: "أو تهمة بمحاباة للرق ونحوه" فيدل على ذلك ما تقدم من نفي قبول شهادة ذي الظنة ومن نفي قبول شهادة القانع.
وأما قوله: "لا للقرابة والزوجية أو نحوهما" فلا وجه للفرق بينه وبينهما قبله بل من كان من هؤلاء متهما بالمحاباة فشهادته غير مقبولة من ذوي الظنة ومن لم يكن كذلك فشهادته مقبولة من غير فرق بين رق وخادم وأجير وقريب وزوجة وغيرهم.
وأما قوله: "ومن أعمى فيما يفتقر فيه إلى الرؤية عند الأداء" فوجهه واضح لأن الأعمى لا يشهد ما لا بد فيه من الرؤية فإن فعل كان مجازفا كاذبا بخلاف الشهادة على الصوت وعلى سائر ما لا يفتقر إلى الرؤية كما سيأتي للمصنف.