خلاف ومن زعم أن في المسألة خلافا فقد أخطأ والوجه في هذا ما صرح به القرآن الكريم من اشتراط أن يكون الشهود عدولا مرضيين والكافر ليس بعدل ولا مرضي فهو مسلوب الأهلية ومظنة للتهمة.
وأما قوله عزوجل: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] ، فليس ذلك مما نحن بصدده بل هو في شيء آخر كما بينه محققو المفسرين وأيضا الآية منسوخة فلا حكم للاستدلال بشيء مما اشتملت عليه وقد قدمنا الإشارة إلى مثل هذا.
والحاصل أن الأمر أوضح من كل واضح وأجلى من كل جلي ولكن من حبب إليه المجيء بما يخالف الناس وقع في مخالفة الكتاب والسنة والإجماع وهو لا يشعر.
قوله: "إلا مليا على مثله".
أقول: وجه هذا أنا مأمورون بتقريرهم على شرعهم ومن التقرير على شرعهم قبول شهادة بعضهم على بعض ولو لم تقبل شهادة بعضهم على بعض لكان ذلك مقتضيا لإهدار كثير من القضايا التي لا توجد فيها شاهد يشهد بينهم من المسلمين لأن المتاخمة والمداخلة إنما هي فيما بينهم والمسلمون متنزهون عنهم مسكنا ومخالطة.
وهذا الدليل أعنى تقريرهم على شرعهم يغني عن الاستدلال بمثل ما أخرجه ابن ماجة من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم عن بعض فإن في إسناده مقالا.
قوله: "وفاسق جارحه".
أقول: قد أغنى عن هذا ما قدمه من اشتراط العدالة فإن العدل لا يطلق على مرتكب معاصي الله عزوجل وهكذا يغني اشتراط العدالة عن ذكر الكافر والصبي وليس في التنصيص على هذه بعد اشتراط العدالة إلا التطويل الذي لا يأتي بكثير فائدة مع أن الفسق في أصل اللغة هو أشد الكفر وعليه عبارات القرآن وإن ورد في قليل مرادا به عصاة المسلمين كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] ، وقد ورد في السنة ما يدل على رد شهادة من ليس بعدل كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بإسناد قوي وقد رواه أبو داود بإسنادين لا مطعن فيهما وفي لفظ لأبي داود ["3601"] : "لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية" وشهد له ما أخرجه الترمذي ["2298"] والدارقطني والبيهقي من حديث عائشة بلفظ: "لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة" الحديث وفي إسناده يزيد ابن أبي زياد وفيه مقال وقال الترمذي لا يصح عندنا إسناده وقال أبو زرعة منكر وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزي ولكن في الباب من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب نحوه أخرجه الدارقطني والبيهقي وفي إسناده ضعيفان وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ويغني عن الاستدلال بها ما قدمنا من أن الواقع في هذه المعاصي ليس بعدل.