قوله: فصل: "وندب من الولائم التسع" الخ.

أقول: الوليمة في لسان أهل الشرع هي خاصة بالعرس لا تتناول غيره وقد وردت الأدلة بالترغيب فيها والأمر بها وكذلك وردت الأدلة بمشروعية الإجابة إليها وقد أوضحنا ذلك في شرح المنتقى ومن زعم أنه يقال لغير العرس وليمة فعليه الدليل ولا تلازم بين مشروعية الذبح وكونه يقال له وليمة وإلا لزم في أنواع الضيافات أن يقال لها ولائم لأنه قد ورد الترغيب في ذلك على العموم وهكذا يلزم من الضحايا والهدايا ولا وجه لذلك لا من شرع ولا من لغة.

وإذا عرفت هذا فالعقيقة مثلا قد وردت الأدلة بمشروعيتها كما تقدم ولا يقال لها وليمة ولا تندرج تحت الأحاديث المصرحة بالترغيب في الوليمة والترغيب في الإجابة إليها ما ذكره المصنف لا دليل عليه ولا يثبت في مشروعيته شيء يصلح للاحتجاج به أصلا.

وأما أمره صلى الله عليه وسلم بأن يصنع لآل جعفر طعام فذلك سببه اشتغالهم بما دهمهم من المصيبة عن أن يصنعوا لأنفسهم أو لمن يرد عليهم طعاما وهذا مأتم لا وليمة وترح لا فرح ومصيبة لا مسرة فجعله من الولائم من أعجب ما يسمع السامعون.

قول: "وحضورها حيث عمت".

أقول: لم يرد ما يدل على مشروعية الحضور إلا في العرس فقط فدعوى مندوبية الحضور إلى هذه التسع التي ذكرها كله هو من بناء الباطل على الباطل كما عرفناك ومعلوم أن مراد المصنف حضور من دعى إليها لا حضور من لم يدع فإن ذلك تطفل فترك التقييد بهذا للعلم به وأما اشتراط كونها تعم الغني والفقير فلم يرد ما يدل على تقييد ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "من دعي إلى الوليمة فليأتها" [البخاري "9/240" مسلم "96/1429"] ، بهذا الشرط ولا تلازم بين كون طعامها شر الطعام وبين ترك حضورها فإن هذه الشرية الكائنة في الطعام إنما جاءت من جهة صاحب الوليمة وكونه دعا إليها الأغنياء دون الفقراء وأما المدعو إليها فقد اتبع السنة بالإجابة.

قوله: "ولم تعد اليومين".

أقول: التقييد بالأيام ورد في الضيافة لا في الوليمة وقد قدم المصنف رحمه الله الكلام على الضيافة وذكر هنا الولائم وذلك يفيد أن هذه الولائم غير الضيافة عنده فتقييد أحدهما بما ورد في الآخر غير صواب ثم على تقدير أنه يصدق على هذه الولائم عنده أنها ضيافة فكان عليه أن يقول ولم يتعد الثلاث لما ثبت في الصحيحين [البخاري "6109، 6476"، مسلم "14/48"] ، وغيرهما [الترمذي "1767، 1768"، ابن ماجة "3675"] ، من حديث ابن شريح الخزاعي مرفوعا بلفظ: "والضيافة ثلاثة أيام فما كان كان وراء ذلك فهو صدقة ولا يحل أن يثوى عنده حتى يحرجه" وأما ما ورد "أن الوليمة في اليوم الأول حق وفي اليوم الثاني معروف ومن الثالث رياء وسمعة"، [أبو داود "3745"، أحمد "5/28"، فهو مما لا تقوم به الحجة وإن كان له طرق لا سيما مع معارضته لهذا الحديث الثابت في الصحيح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015