أقول: ليس على هذه الكراهة أثاره من علم بل القول بها دفع لما ثبت في حديث: "أحل لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد" وقد ادعى بعض أهل العلم الإجماع على عدم الكراهة ويقدح في دعوى هذا الإجماع حكاية الترمذي في سننه عن بعض أهل العلم أنه يقول بكراهته.

قوله: "والضب".

أقول: الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيح قد دلت على أنه حلال كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "كلوا فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي"، كما في صحيح مسلم [البخاري "7267"، مسلم "42/1944"، وغيره [أحمد "2/137"، وكما في الصحيحين [البخاري "5391"، مسلم "44/1946"] ، وغيرهما [أبو داود "3794"، النسائي "4326"، ابن ماجة "3241"] ، عن خالد بن الوليد أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: "لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه"، قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر فهذا يدل دلالة بينة أنه حلال وأنه لم يترك أكله صلى الله عليه وسلم إلا لكونه ليس مما يؤكل في أرض قومه فعافه ومثل هذا لا تثبت به الكراهة.

وقد ثبت عند مسلم "49/1950"، وغيره من حديث عمر بن الخطاب أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمه.

وأما ما روى من حديث أبي سعيد عند مسلم وغيره أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني في غائط مضبة وإنه عامة طعام أهلي فلم يجبه فقلنا: عاوده فعاوده فلم يجبه ثلاثا ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة فقال: "يا أعرابي إن الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض ولا أدري لعل هذا منها فلست آكلها ولا أنهي عنها"، فينبغي أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن الله سبحانه لم يجعل لممسوخ نسلا كما في صحيح مسلم "33/2663"، وغيره أحمد "4/258، 259"، فلا يصح أن يكون هذا التردد منه صلى الله عليه وسلم في كونه مما مسخ علة في الكراهة فقد تبين في قوله: "أنه لا نسل لممسوخ".

وأما ما روي من النهي عن أكل الضب فقد ضعف الأئمة الحفاظ هذا الحديث فهو لا يصلح للحجة على فرض انفراده عن المعارض فكيف وقد عورض بما هو أوضح من شمس النهار وأما دعوى ابن حجر أن إسناده حسن فلا يصح ذلك ردا لما علله به الحفاظ من العلل القادحة ولو قدرنا أنه حسن لم ينتهض لمعارضة شيء من أدلة الحل قال النووي وأجمع المسلمون على أن الضب حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا هو حرام وما أظنه يصح عن أحد فإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله انتهى.

ولو قدرنا أنه ورد شيء على الكراهة كان حمله على أن ذلك قبل أن يتبين حال الضب أن ليس بممسوخ متعينا فليس في المقام ما يصلح للاحتجاج به على الكراهبة أصلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015