أقول: هكذا ورد الدليل فأخرج أحمد "2/228، 331"، ومسلم "1653"، والترمذي "1354"، وابن ماجة "2121"،من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك"، وفي لفظ لمسلم "21/1653"، وابن ماجة "2120"، من هذا الحديث: "اليمين على نية المستحلف"، ومعنى هذا الحديث ظاهر واضح وإيراد الأبحاث المتضمنة للتشكيك فيه حاصلها الرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله: "فللحالف إن كانت" إلخ فقد حكى الإجماع على ذلك القاضي عياض والنووي ويدل عليه حديث سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتخرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخي فخلي عنه فأتينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "أنت كنت أبرهم وأصدقهم صدقت المسلم أخو المسلم"، أخرجه أحمد "13/134، 135"، وأبو داود "3256"، وابن ماجه 2119"، ورجاله ثقات وهو من رواية إبراهيم بن عبد الأعلى عن جدته عن سويد بن حنظلة وعزاه المنذري إلى مسلم فينظر في صحة ذلك.

وقد أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم لسويد أن يمينه بارة صادقة وأوضح له أن لذلك وجها إن كان مقصودا له وإن لم يكن مقصودا له فقد صح حلفه وبر في يمينه لما حصل بها من تخليص رجل من المسلمين من يد ظالمة وما ذكره من تقديم ما يدل عليه العرف فوجهه ظاهر لأن الحالف إنما يقصد في يمينه ما يتعارف به أهل بلده.

والحاصل أنه يحمل كلامه على ما هو الغالب على قصده السابق إلى إرادته وإن كان ممن يعرف لغة العرب أو يعرف ما نقله الشرع عنها صار بعد ذلك النقل معنى شرعيا فإنه لا يحمل على ذلك مع وجود العرف المستقر الشائع المتقرر عند الحالف وقومه فإن كان لا عرف في ذلك الذي تكلم به كان الرجوع في مثله إلى المعنى العربي أو الشرعي إن كان الحالف ممن يعرفهما ويتكلم بهما ويقدم المعنى الحقيقي على المعنى المجازي ويقدم الشرعي على اللغوي وهكذا اعتبار صحيح لا بد منه ولا وجه للاعتراض عليه للقطع بأن المقاصد والإرادات هي التي يحمل عليها الكلام وكل متكلم لا يريد إلا ما هو الغالب في لسانه ولسان قومه ولو حمل كلامه على غير ذلك لكان حملا للكلام على خلاف ما هو المراد منه والمقصود به وذلك غلط أو مغالطة.

وقد أطال المصنف من ذكر هذه الأمثلة الحزبية إلى آخر الفصل وذلك ينافي ما هو المقصود له من الاختصار ولا يتعلق به كثير فائدة لأن غاية ما فيه بيان ما هو السابق إلى الفهم في هذه الأمور في عرف المصنف وأهل عصره من جهته والأعراف تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فإن كان عرف الحالف مخالفا لشيء من هذه الصور التي ذكرها المصنف كان الاعتماد على عرفه لا على ما ذكره المصنف ها هنا مع أن ذكر هذه الصور مفسدة وهي أنه يظن المقصرون أن الرجوع إليها محتم وأن حمل كلام الحالف عليها متعين وإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015