الالتباس به قد صار أحد محتملات ما تعلقت به القربة فصارا جميعا للمصالح وهذا الوجه غير وجيه بل ينبغي أن يقال اختياره الذى كان عند إنشاء الوقف هو باق الآن معه فيعين أيهما شاء بعد الالتباس وليس هذا الالتباس موجبا لخروج ملكه المتقين المعصوم بعصمة الإسلام وقد قدمنا على قوله ومتى اختلطت فالتبست أملاك الأعداد ما فيه كفاية.
قوله: "وفي المصرف كونه قربه" الخ.
أقول: هذا الوقف الذي جاءت به الشريعة ورغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه هو الذي يتقرب به إلى الله عزوجل حتى يكون من الصدقة الجارية التي لا ينقطع عن فاعلها ثوابها فلا يصح أن يكون مصرفه غير قربة لأن ذلك خلاف موضوع الوقف المشروع لكن القربة توجد في كل ما أثبت فيه الشرع أجرا لفاعله كائنا ما كان فمن وقف مثلا على إطعام نوع من أنواع الحيوانات المحترمة كان وقفه صحيحا لأنه قد ثبت في السنة الصحيحة "أن في كل كبد رطبة أجرا" ومثل هذا لو وقف على من يخرج القذاة من المسجد أو يرفع ما يؤذي المسلمين في طرقهم فإن ذلك وقف صحيح لورود الأدلة الدالة على ثبوت الأجر لفاعل ذلك فقس على هذا غيره مما هو مساو له في ثبوت الأجر لفاعله وما آكد منه في استحقاق الثواب وأما الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل ومخالفة فرائض الله عزوجل فهو باطل من أصله لا ينعقد بحال وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم وما أشبه ذلك فإن هذا لم يرد التقرب إلى الله بل أراد المخالفة لأحكام الله عزوجل والمعاندة لما شرعه لعباده وجعل هذا الوقف الطاغوتي ذريعة إلى ذلك المقصد الشيطاني فليكن هذا منك على ذكر فما أكثر وقوعه في هذه الأزمنة وهكذا وقف من لا يحمله على الوقف إلا محبة بقاء المال في ذريته وعدم خروجه عن أملاكهم فيقفه على ذريته فإن هذا إنما أراد المخالفة لحكم الله عزوجل وهو انتقال الملك بالميراث وتفويض الوارث في ميراثه يتصرف به كيف يشاء وليس أمر غناء الورثة ولا فقرهم إلى هذا الوقف بل هو إلى الله عزوجل وقد توجد القربة في مثل هذا الوقف على الذرية نادرا بحسب اختلاف الأشخاص فعلى الناظر أن يمعن النظر في الأسباب المقتضية لذلك من هذا النادر أن يقف على من تمسك بطرق الصلاح من ذريته أو اشتغل بطلب العلم فإن هذا الوقف ربما يكون المقصد فيه خلاصا والقربة متحققة والأعمال بالنيات ولكن تفويض الأمر إلى ما حكم الله به بين عباده واتضاه لهم أولى وأحق.
قوله: "وفي الايجاب لفظه" الخ.
أقول: المعتبر ما فيه دلالة على هذه القربة وعلى طيبة النفس بصرف ذلك المال إلى هذا الوجه بأي لفظ كان وعلى أي صفة وقع ولو بإشارة من قادر على النطق كما قد قررنا هذا في غير موضع من هذا الكتاب.
وأما قوله: "مع قصد القربة" فهو الركن الأعظم الذي تدور عليه دوائر الصحة أو البطلان