أخرج أحمد وابو دأود والنسائي وابن ماجه بأسانيد بعضها رجاله رجال الصحيح قال كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه الصلاة وما ملكت ايمانكم وهو مجمع على وجوب نفقة الارقاء.
وأما قوله: "أو تخلية القادر" فلا وجه له لأنه مهما بقي في ملكه كان الوجوب ثابتا عليه ولا نيفعه تخليته فإنه تخلص مما أوجبه عليه الشرع بغير مخلص شرعي بل يجبر على ينفعه أو إنفاقه أو عتقه ولا عذر له من أحد هذه الثلاثة الامور لأن علاقة وجوب إنفاقه عليه هي كونه مملوكا له فمهما بقي الملك فالعلاقة موجودة والسبب حاصل.
وأما كونه لا يلزمه ان يعفه فظاهر.
قوله: "ويجب سد رمق محترم الدم"
أقول: قد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" وأي إسلام له ابلغ من ان يدعه يموت جوعا وهو يجد ما يسد رمقه ويبقى حياته.
وثبت أيضا في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، فهذا الذي ترك اخاه يموت جوعا وهو يجد ما ينعشه ويدفع عنه ما نزل به من الضر ليس بمومن وواجب على كل مسلم ان لا يفعل ما يسلب عنه الايمان أو يترك ما يكون سببا لذهاب إيمانه وأيضا قد أوجب الله سبحانه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما العمادان العظيمان لهذا الدين ومعلوم ان سد رمق من نزل به الموت من الجوع من اعظم المعروف وتركه من اقبح المنكر وقد قال الله سبحانه وتعالي: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وسد رمق المضطر من اعظم أنواع البر والتقوى وتركه من اعظم الإثم والعدوان.
والحاصل ان كليات الكتاب والسنة وجزئيائتهما تدل على وجوب مثل هذا وجوبا مضيقا ومن استدل على هذا الوجوب بما ورد في الضيافة فقد ابعد النجعة.
وأما ما ذكره عن المؤيد بالله من ان له ان ينوى الرجوع على من سد رمقه فهذا مخالف للقواعد الشرعية فإن المطعم قام بواجب عليه هو من اعظم الواجبات فليس له ان يرجع في ذلك على ذلك المضطر.
قوله: "ودواء البهيمة" الخ.
أقول: أما الأجر على إنفاقها فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن رجلا اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث بأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ بهذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ثم امسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له"، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: "في كل كبد رطبة