أمر الله سبحانه به عباده من حقوق أوجبها عليهم وحق الزوجة من جملة ذلك وهو أيضا من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن أهل الامر القادرين على نهي عن المنكر احق الناسب بالقيام به ومعلوم إن ترك الزوج لانفاق زوجته وماله بمرأى منها ظلم عظيم ومنكر بالغ فلا فسحة لمن يقدر على إنصافها من القيام بذلك وقد أمر الله سبحانه الحكام ان يحكموا بالحق والعدل وهذا من الحكم بالحق وبالعدل وكما يجب ذلك على الحكام في حق الزوج الغائب كذلك يجب عليهم في حق الزوج الحاضر الممتنع ما أوجب الله عليه فيأخذ الحاكم من ماله ما يقوم بنفقة زوجته شاء ام أبي.
قوله: "ويحبسه للتكسب".
أقول: الأولى ان يقال ويأمره بالتكسب إذا كان يجد له مكسبا يعيش به وهو ومن يعول ولم يتركه لعذر بل تركه بطرا أو كسلا أو ضرارا لنفسه ولأهله كما يفعل ذلك من ابتلى بالحمق وقد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم إلي التكسب حتى أمر بعض من لم يتكسب ان يبيع ما يجد ثم امره ان يشترى فأسا ثم امره بأن يذهب ويحتطب وقال الله عز وجل: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] ، فإن أبي وصمم على ذلك مع إمكانه وكان فيتركه ما يضره أو يضر من يعول فلا بأس ان يمسه بعقوبة تحمله على طلب ما فيه مصلحة له ولمن يعول ودفع مفسدة عنه وعنهم وأي مفسدة اعظم من قعود رجل في بيته بلا عذر وأبوب المكاسب مفتحة وأسباب الرزق منتشرة وأطفاله يتضاغون من الجوع وامرأته المحجبة تقاسي شدائد الفاقة وتمارس اهوال المسغبة.
قوله: "ولا فسخ".
أقول: قد ذهب الجمهور كما حكاه ابن حجر في فتح الباري إلي ثبوت الفسخ إذا لم يجد الرجل ما ينفق على أمراته وهو الحق لقوله عز وجل: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} [البقرة: 231] ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الاصول وأي ضرار اعظم من ان يبقيها في حسبه وتحت نكاحه بغير نفقة فإن هذا ممسك لها ضرارا بلا شك ولا شبهة بل ممسك لها مع اشد أنواع الضرار فإن قوام الانفس لا يكون الا بالطعام والشراب ولقول الله عز وجل: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، فخير الازواج بين الامرين فليس لهم فسحة في المعاملة للزوجات باحدهما فمن لم يمسك بمعروف كان عليه التسريح باحسان فإن لم يفعل كان على حكام الشريعة ان يوصلوا الممسكة ضرارا بحكم الله عز وجل فيفسخون نكاحها.
وأين الامساك بمعروف من رجل ترك زوجته في مضايق الجوع ومتألف المخمصة وعرضها للهلاك وحبسها عن طلب رزق الله عز وجل وأراد ان تكون له فراشا وهي بهذه الحالة المنكرة والصفة المستشنعة وكل من يعرف الشريعة يعلم ان هذا منكر من منكراتها ومحرم من محرماتها ولقوله عز وجل ولا تضاروهن وهذا من اعظم أنواع الضرار وأشدها كما سلف.