وأما ما ذكره المصنف رحمه الله من تشريك ما وصل من الجنائز بالنية فهو صحيح إذ لا عمل إلا بنية وصلاته على كل واحد عمل وهكذا رفع ما فرغ من التكبير عليه أو عزله بالنية لأن الصلاة قد تمت على الأول وبقي منها بقية للواصل.
قوله: "فإن زاد عمدا أو نقص مطلقا أعاد".
أقول: قد قدمنا لك أن ما ورد في النقص من أربع والزيادة على الخمس لم يثبت ثبوتا تقوم به الحجة فالزيادة على الخمس والنقص من أربع ابتداع إن وقع ذلك عمدا إلا إذا وقع سهوا وأما كون الصلاة تفسد بذلك فلا لما عرفناك غير مرة أنه لا يدل على الفساد المرادف للبطلان إلا دليل خاص يفيد أن عدم ذلك الشيء يوجب العدم أو أن وجوده مانع من الصحة.
وأما ما ذكره من كون الدفن مانعا من الصلاة فخلاف ما ثبت في السنة ثبوتا متفقا عليه وقد قدمنا الإشارة إلي ذلك.
وأما قوله: "وينتظر تكبير الإمام" فلا وجه له بل يكبر عند وصوله إلي الصف كسائر الصلوات.
وأما كونه يتم ما فاته بعد التسليم قبل الرفع فهو صواب لأنه لم يرد ما يدل على أن الإمام يتحمل عنه.
قوله: "وترتب الصفوف كما مر إلا أن الآخر أفضل".
أقول: أما ترتيب الصفوف كما مر في الصلاة فهو صحيح لأن الجنازة صلاة من الصلوات فالدليل المتقدم في الصلوات الخمس جماعة وتقديم الرجال على الصبيان والصبيان على النساء ثابت هنا.
وأما كون الآخر أفضل فلا دليل عليه بل هو خلاف الدليل الوارد في صلاة الجماعة فإنه مصرح بالترغيب في الأول وبأنه يتم الصف الأول ثم الذي يليه ثم كذلك فما ثبت في صلاة الجماعة ثبت في صلاة الجنازة لأن الكل صلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وأما تكثير الصفوف ليكونوا ثلاثة فصاعدا حتى يستحق الميت المغفرة فلا بأس به كما ورد في حديث مالك بن هبيرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ميت يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له" أخرجه أحمد ["4/79"، أبو دأود "3166" والترمذي "1028"، وابن ماجه "1490"] ، وحسنه الترمذي وله شواهد وقد كان مالك بن هبيرة الرأوي لهذا الحديث إذا قل أهل الجنازة يجعلهم ثلاثة صفوف.
وورد أيضا من حديث عائشة في صحيح مسلم] "58/947"] ، وغيره [الترمذي "1029"، النسائي 1992" عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه"، وثبت في صحيح مسلم ["59/948"] ، أيضا وغيره [أبو دأود "3170"، ابن ماجة "1489"] ، من حديث ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه".