وأما قوله: "ثم بما أمكن من شجر ثم تراب" فقد عرفناك أن للضرورة حكمها وليس في الإمكان غير ما قد كان.

وأما قوله: "وتكره المغالاة" فهو أيضا صواب لأن المراد بالمغالاة أن يعمد إلي الثياب المرتفعة الأثمان الغالية القيمة فيكفن الميت بها مع حصول المقصود بما هو دونها وقد عرفت أن الزيادة على ما ورد به الشرع إضاعة للمال لما قدمنا وتحسين الكفن وكونه جديدا أبيض لا ينافي هذا فإن ذلك يحصل بدون المغالاة ويؤيد هذا النهي عن المغالاة في الأكفان معللا ذلك بقوله فإنه يسلب سريعا كما أخرجه أبو دأود من حديث علي.

قوله: "وندب البخور وتطييبه سيما مساجده".

أقول: يدل على ذلك ما أخرجه أحمد والبيهقي والبزار بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا" وأخرج نحوه من حديث جابر بلفظ: "إذا أجمرتم الميت فأوتروا" فهذا يدل على مشروعية التطيب ويدل عليه أيضا النهي عن تطييب المحرم وتحنيطه كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس فإن ذلك يدل بمفهومه على تطييب غير المحرم ولم يرد ما يدل على أن مساجد الميت أولى بالطيب من غيرها فالأعضاء مستوية في ذلك.

وأما قوله ثم يرفع مرتبا فلم يرد في هذا شيء يصلح للقول للندب لأنه حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي لا بمجرد الرأي.

قوله: "ثم يمشي خلفه قصدا".

أقول: قد ورد ما يدل على المشي خلف الجنازة وأمامها وفي جوانبها وورد الفرق بين الراكب والماشي كما في حديث المغيرة الذي أخرجه أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها". وأخرجه أبو دأود ["3181"، وقال فيه: "والماشي خلفها وأمامها قريبا منها" وفي رواية "الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها".

ومع هذا فورد النهي عن الركوب مع الجنازة وامتنع صلى الله عليه وسلم من الركوب مع الجنازة وعلل ذلك بأن الملائكة كانت تمشي وأخرج أحمد وأهل السنن عن ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة وصححه ابن حبان وابن خزيمة وأعل بما لا يقدح في الاحتجاج وقد احتج به أحمد بن حنبل وقد ذهب الجمهور إلي أن المشي أمام الجنازة أفضل واستدلوا بهذا الحديث وذهب الآخرون إلي أن المشي خلفها أفضل واستدلوا بما أخرجه أبو دأود ["3184" والترمذي "1011"] ، وابن ماجه "1484"] ، من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن المشي خلف الجنازة فقال: "ما دون الخبب فإن كان خيرا عجلتموه وإن كان شرا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015