والحاصل أنه لم يرد في التوجه عند الموت إلي القبلة ما يدل على مشروعيته إلا ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن البراء بن معرور أصاب الفطرة" حيث أوصى بأن يوجه إلي القبلة إذا احتضر ولو كان مشروعا لأرشد إليه صلى الله عليه وسلم من مات في حياته ولم يسمع منه صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء مع كثرة الأموات من أهله وأصحابه.
قوله: "ومتى مات غمض".
أقول: استدل على مشروعية هذا بما أخرجه أحمد ["4/125"] وابن ماجه ["1455"] والحاكم والطبراني في الأوسط والبزار عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت" وفي إسناده قزعة بن سويد قال أبو حاتم محله الصدق وليس بذلك القوي.
والأولى الاحتجاج بما ثبت في صحيح مسلم ["920"] عن ام سلمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: "إن الروح إذا قبض أتبعه البصر" قال النووي واجمع المسلمون على ذلك.
والحكمة فيه أن لا يقبح منظره إذا ترك إغماضه.
وأما ما ذكره المصنف من التليين برفق والربط من ذقن الميت إلي قمته فلم يرد فيه شيء لكنه عمل حسن لئلا تيبس أعضاء الميت فيصعب غسله وتكفينه ولئلا ينفتح فوه فيكون منظره قبيحا.
قوله: "ويشق أيسره لاستخراج حمل تحرك أو مال علم بقاؤه غالبا".
أقول: لم يرد في الشق لواحد من الأمرين شيء يعتمد عليه لكن قد علم بتحرك الحمل أنه حي فدفنه أهلاك له وقد ورد في حفظ النفوس واحترامها ما هو أشهر من ضوء النهار فإن كان مثلا ذلك الحمل المتحرك مما يظن حياته إذا خرج من البطن فإنقاذه واجب ولا يعارض هذا ما ورد من أن الميت يتألم كما يتألم الحي وأن كسر عظمه ميتا ككسره حيا [أبو دأود "3207"، ابن ماجة "1616"، أحمد "6/58، 168،169، 200، 364"] لأن حرمة الحي والحظر في أهلاكه أبلغ من ذلك وأشد.
وأما من ازدرد مالا فمات وهو في بطنه فبقاؤه منكر عظيم وإضاعة للمال المنهي عن إضاعته فإخراجه متوجه والميت هو الجاني على نفسه فلا حرج في تأليمه ولا فرق بين قليل المال وكثيره لأن الكل منكر وإضاعة فلا وجه للاحتراز على مقدار ثلث ماله فإن الله سبحانه إنما جعل له ثلث ماله ليتقرب به إلي الله لا ليدسه في التراب معه.
وأما كونه يخاط بعد الشق فذلك صواب لئلا يكون منظره قبيحا.
قوله: "وتعجيل التجهيز إلا لغريق ونحوه".
أقول: حديث الأمر بالتعجيل للتجهيز وتعليل ذلك بقوله: "فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهري أهله" أخرجه أبو دأود ["3159"] ، من حديث الحصين بن وحوح وفي إسناده