"إلي اثنتين على من تعدى ميل بلده مريدا أي سفر بريد حتى يدخله مطلقا أو يتعدى في أي موضع شهرا أو يعزم هو ومن يريد لزامه على إقامة عشر في أي موضع أو موضعين بينهما دون ميل ولو في الصلاة وقد نووا القصر لا العكس غالبا أو لو تردد"] .
قوله: "باب ويجب قصر الرباعي إلي اثنتين".
أقول: لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم في جميع أسفاره إلا القصر وذلك في الصحيحين وغيرهما وأظهر الأدلة على الوجوب الحديث الثابت عن عائشة في الصحيحين [البخاري "3935"، مسلم "685"] ، وغيرهما [أحمد "3/272"، النسائي "1/255"] ، بلفظ: "فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر"، فهذا اخبار بأن صلاة السفر أقرت على ما فرضت عليه فمن زاد فيها فهو كمن زاد على أربع في صلاة الحضر ولا يصح التعلق بما روي عنها أنها كانت تتم فإن ذلك لا تقوم به الحجة بل الحجة في روايتها لا في رأيها.
وهكذا لم يثبت ما روي عنها أنه روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتم وقد وافقها على هذا الخبر الذي أخبرت به ابن عباس فأخرج مسلم ["687"] ، عنه أنه قال: "إن الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعا والخوف ركعة".
ومن ذلك ما أخرجه أحمد ["1/37"، والنسائي "3/11"، وابن ماجه "1064"] ، عن عمر قال صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام من غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ورجاله رجال الصحيح.
وأخرج النسائي ["3/117"] وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما عن ابن عمر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا ونحن ضلال فعلمنا كان فيما علمنا أن الله عز وجل أمرنا أن نصلي في السفر ركعتين.
فهذه الأدلة قد دلت على أن القصر واجب عزيمة غير رخصة وأما قوله تعالي: {وَإذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] ، فهو وارد في صلاة الخوف والمراد قصر الصفة لا قصر العدد كما ذكر ذلك المحققون وكما يدل عليه آخر الآية ولو سلمنا أنها في صلاة القصر لكان ما يفهم من رفع الجناح غير مراد به في ظاهره لدلالة الأحاديث الصحيحة على أن القصر عزيمة لا رخصة.
ولم يرد في السنة ما يصلح لمعارضة ما ذكرناه من الأدلة الصحيحة.
قوله: "على من تعدى ميل بلده مريدا أي سفر بريدا".
أقول: هذه المسألة قد اضطربت فيها الأقوال وكثرت فيها مذاهب الرجال وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين.