أقول: هذه المسألة قد اشتهرت بين أهل المذاهب وتكلموا فيها وصنف فيها من صنف منهم وهي مبنية على غير أساس وليس عليها أثارة من علم قط وما ظنه بعض المتكلمين فيها من كونه دليلا عليها هو بمعزل عن الدلالة وما أوقعهم في هذه الأقوال الفاسدة إلا ما زعموه من الشروط التي اشترطوها بلا دليل ولاشبهة دليل.

فالحاصل أن صلاة الجمعة صلاة من الصلوات يجوز أن تقام في وقت واحد جمع متعددة في مصر واحد كما تقام جماعات سائر الصلوات في المصر الواحد ولو كانت المساجد متلاصقة ومن زعم خلاف هذا فإن كان مستند زعمه مجرد الرأي فليس ذلك بحجة على أحد وإن كان مستند زعمه الرواية فلا رواية.

قوله: "وتصير بعد جماعة العيد رخصة لغير الإمام وثلاثة".

أقول: ظاهر حديث زيد بن أرقم عند أحمد ["4/372"، وأبي دأود "1070"، والنسائي "1591" وابن ماجه "1310" بلفظ أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: "من شاء أن يصلي فليصل" يدل أن الجمعة تصير بعد صلاة العيد رخصة لكل الناس فإن تركوها جميعا فقد عملوا بالرخصة وإن فعلها بعضهم فقد استحق الأجر وليست بواجبة عليه من غير فرق بين الإمام وغيره وهذا الحديث قد صححه ابن المديني وحسنه النووي وقال ابن الجوزي هو أصح ما في الباب وفي إسناده إياس بن أبي رملة قال ابن القطان وابن المنذر هو مجهول ولكنه يشهد له ما أخرجه أبو دأود ["1073"، وابن ماجه "1311"] ، والحاكم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه عن الجمعة فإنا مجمعون"، قال في البدر المنير وصححه الحاكم وأخرج نحوه ابن ماجه من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف وأخرج أبو دأود ["1071"، والنسائي "1592"،] ، والحاكم عن وهب بن كيسان قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالي النهار ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يومئذ الجمعة فذكر ذلك لابن عباس قال: أصاب السنة, ورجاله رجال الصحيح.

وأخرجه أيضا أبو دأود ["1072"] ،عن عطاء بنحو ما قاله وهب بن كيسان ورجاله رجال الصحيح وجميع ما ذكرناه يدل على أن الجمعة بعد العيد رخصة لكل أحد ولا ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنا مجمعون" فقد دلت أقواله على أن هذا التجميع منه صلى الله عليه وسلم ليس بواجب.

قوله: "وإذا اتفق صلوات قدم ما خشي فوته ثم الأهم".

أقول: إن كانت الصلوات متفقة في كونها جميعا واجبة كصلاة جمعة وجنازة أو متفقة في كونها جميعا غير واجبة كصلاة الكسوف والاستسقاء فيقدم ما خشي فوته ثم الأهم أما إذا كان بعضها واجبا وبعضها غير واجب فعليه أن يأتي بالواجب عليه فإن أمكن فعل غير الواجب بعده فعله وإلا فهو معذور عن فعله باشتغاله عنه بما هو واجب عليه لأن من الجائز أن يعرض له ما يمنعه عن فعل الواجب الذي أخره وفعل ما خشي فوته من غير الواجب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015