أقول: وجه هذا إجماع المسلمين سابقهم ولاحقهم على جرح من يستحق الجرح من الرواة والشهود ولولا ذلك لوجد الكذابون إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالا واسعا وقالوا ما شاؤوا ووجد شهود الزور إلى أخذ أموال العباد طريقا قريبة ولكنه يجب التوقف من ذلك على قدر الحاجة فإن كفى الإجمال لم يجز للجارح أن يتعرض للتفصيل وإن لم يكف الإجمال كان له أن يأتيم أن التفصيل بما لا بد منه.

قوله: "أو شكا".

أقول: إن كان المشكو عليه ممن لا ينتفع به الشاكي ولا يرجو منه فائدة فليس ذلك بمسوغ للغيبة وإن كان ينتفع به ويرجو منه إراحته مما وقع فيه فهذا جائز وقد استثنى الله سبحانه ذلك في كتابه بقوله: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] .

قوله: "ويعتذر المغتاب إليه إن علم".

أقول: وجهه أن الغيبة مظلمة وجناية على عرض مسلم معصوم فالتوبة منها واجبة ولا يكون ذلك إلا بالتحلل من المظلوم والتضرع إليه بأن يعفو ولا وجه لقوله إن علم لأن المظلمة قد وقعت سواء علم أو لم يعلم فلا مخلص عنها إلا عفوه عنه.

قوله: "ويؤذن من علمها بالتوبة ككل معصية".

أقول: وجه ذلك أنه يدفع عن نفسه استمرار اعتقاد من علم منه ذلك بأنه ممن يجترىء على ما حرمه الله سبحانه من الغيبة تخليصا لهم من الاستمرار على اعتقاد قد زال سببه وتخليصا لنفسه من أن يكون محلا كذلك مخيرا عليه عاصيا لله بسببه وهكذا سائر المعاصي ومما يرشد إلى هذا ما ثبت ثبت في الصحيح [البخاري "2035، 2038، 3101"، مسلم "24/2175"، أبو داود "2470"] ، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجلين رأياه وهو يمشي مع بعض نسائه فقال لهما: "إنها فلانة"، فاستنكرا هذه المقالة منه صلى الله عليه وسلم لأنه المعصوم عن كل ذنب المبرأ من كل شين فقال لهما: "خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما"، يعني فتظنان ظن السوء.

[فصل

ويجب إعانة الظالم على إقامة معروف أو إزالة منكر والأقل ظلما على إزالة الأكثر مهما وقف على الرأي ولم يود إلى قوة ظلمه ويجوز إطعام الفاسق وأكل طعامه والنزول عليه وإنزاله وإعانته وإيناسه ومحبته لخصال خير فيه أو لرحمة لا لما هو عليه وتعظيمه والسرور بمسرته في حال والعكس في حال لمصلحة دينية.

وتحرم الموالاة وهي أن تحب له كل ما تحب وتكره له كل ما تكره فيكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015