عن قتالهم ويستكثروا من المجاهدين ويستصرخوا أهل الإسلام وقد استدل على ذلك بقوله عزوجل: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، وهي تقتضي ذلك بعموم لفظها وإن كان السبب خاصا فإن سبب نزولها أن الأنصار لما قاموا على زرائعهم وإصلاح أموالهم وتركوا الجهاد أنزل الله في شأنهم هذه الآية كما أخرجه أبو داود "2512"،والنسائي والترمذي "2972"، وصححه والحاكم أيضا وقد تقرر في الأصول أن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومعلوم أن من أقدم وهو يرى أنه مقتول أو مأسور أو مغلوب فقد ألقى بيده إلى التهلكة.
قوله: "فيفسق من فر" الخ.
أقول: قد ثبت أن الفرار من موبقات الذنوب كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، [البخاري "2766، 5764، 6857"، مسلم "89"، أبو داود "2874"] ، ثم عد منهن "التولي يوم الزحف"، وقد قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال:65] ، وناهيك بمعصية يبوء صاحبها بغضب الله عليه ولكن لا بد أن يكونوا كما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال لما نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] ، فكتب عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت الآية: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [النفال 66] ، الآية فكتب أن لا يفر مائة من مائتين فإذا كان المسلمون مثل نصف المشركين حرم عليهم الفرار وإلا كان جائزا وقد استثنى الله سبحانه المتحرف للقتال والمتحيز إلى فئة فليس هذا من الفرار المحرم والفئة تكون ردءا وتكون منعة كما قال المصنف ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للطائفة التي فرت إليه: "أنا فئتكم" كما في حديث ابن عمر عند أحمد "2/58، 70، 99، 100"، وأبي داود "2647"،وابن ماجه والترمذي "1716"، وحسنه وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وفيه مقال معروف.
وأما قوله: "أو لخشية الإستئصال أو نقص عام" فوجهه أن المصابرة والإقدام على القتال مع أحد الأمرين يعود على المسلمين بالوهن والضعف وقد وقع الفرار في أيام النبوة في غير موطن وعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانوا قد خشوا مثل ذلك بل سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوع خالد بن الوليد واستخراجهم من ملاحمة المشركين فتحا والقصة معروفة في كتب السير والحديث وكان ذلك بعد أن قتل أمير الجيش وهو زيد بن حارثة ثم الأمير الذي بعده وهو عبد الله بن رواحة ثم أخذ الراية خالد ورجع بالمسلمين.
قوله: "ولا يقتل فان" الخ.
أقول: وجهه ما أخرجه أبو داود "2614"، من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة"، وفي إسناده خالد بن الفرز وفيه مقال وأخرج أحمد "14/65" من حديث ابن عباس بلفظ: "ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع"، وفي إسناده إبارهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة