المتقين ثم إذا لم يثبت على ذلك كان عليهم أمره بما هو معروف ونهيه عما هو منكر ولا يجوز لهم أن يطيعوه في معصية الله ولا يجوز لهم أيضا الخروج عليه ومحاكمته إلى السيف فإن الأحاديث المتواترة قد دلت على ذلك دلالة أوضح من شمس النهار ومن له اطلاع على ما جاءت به السنة المطهرة انشره صدره لهذا فإذا به يجتمع شمل الأحاديث الواردة في الطاعة مع ما يشهد لها من الآيات القرآنية وشمل الأدلة الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشمل الأدلة الواردة في أنه لا طاعة في معصية الله وهي كثيرة جدا لا تيسع لها إلا مولف بسيط.

قوله: "سخي بوضع الحقوق في مواضعها".

أقول: قد عرفناك أن هذا من مقاصد الإمامة ومن الأمور التي تراد بها ومثل هذا أن لا يأخذها إلا من مواضعها الشرعية ولا فائدة للتنصيص على جزئيات ما توحيه العدالة وتقتضيه فإنه إذا أخذ الشيء من غير موضعه كان ظالما والظالم ليس بعدل وإذا شح عن وضعه في موضعه كان أيضا ظالما لمن هو له والظالم ليس بعدل.

قوله: "مدبر أكثر رأيه الإصابة".

أقول: وجهه أن من لم يكن أكثر رأيه الإصابة هو في عداد الحمقى الذين لا يصلحون لتدبير أنفسهم فضلا عن تدبير سائر المسلمين.

والحاصل أنه إذا كان عاقلا متأنيا في الأمور متجنبا للعجل والحرد ومباشرة الأمور حال الغضب كان غالب تدبيره الإصابة ولا سيما إذا اقتدى بكتاب الله وسنة رسوله في المشاورة لأهل الرأي فإن الله سبحانه قد ندب إلى ذلك رسوله المعصوم فكيف لا يقتدي به غيره ويمتثل أمر الله سبحانه وثبت في الصحيح [مسلم "12/124"] ، "أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور الصحابة حين بلغه إقبال أبي سفيان"، وقد أطبق العقلاء حسن الإستشارة في الأمور ومعلوم أن اجتماع الرأي من رجلين أحزم من رأي الواحد نفسه فكيف إذا طابق على ذلك الرأي جماعة كما قال القائل:

ورأيان أحزم من واحد ... ورأي الثلاثة لا ينقض

وما أحسن قول القائل في المشورة:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أونصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فريش الخوافي قوة للقوادم

قوله: "مقدام حيث تجوز السلامة".

أقول: لا بد أن يكون مع الإمام من قوة القلب وشدة البأس ما يحمله على مناجزة الأعداء ومثاغرة الخارجين على الإسلام فإن كان من الجبن بمكان يمنعه عن ذلك فقد أصيب بسبب هذه الغريزة التي يبغضها الله بفقدان أعظم المقاصد من إمامته لأنه يتنكب عن مواطن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015