ويقوم بما يقوم به من ليس كذلك ومعلوم أنه لا يراد من مثل الإمام السباق على الأقدام ولا ضرب الصولجان ولا حمل الأثقال.
قوله: "مجتهد".
أقول: المقصود من نصب الأئمة هو تنفيذ أحكام الله عزوجل وجهاد أعداء الإسلام وحفظ البيضة الإسلامية ودفع من أرادها بمكر والأخذ على يد الظالم وإنصاف المظلوم وتأمين السبل وأخذ الحقوق الواجبة على اما اقتضاه الشرع ووضعها في مواضعها الشرعية فمن بايعه المسلمون وقام بهذه الأمور فقد تحمل أعباء الإمامة فإن انضم له إلى هذه الإمامة كونه إماما في العلم مجتهدا مطلقا في مسائله فلا شك ولا ريب أنه أنهض من الإمام الذي لم يبلغ رتبة الإجتهاد لأنه يورد الأمور ويصدرها عن علو ولكن لا دليل على أنه لا يولي الأمر إلا من كان بهذه المنزلة من الكمال وفي هذه الغاية القصوى من محاسن الخصال وليس النزاع في الأكمل ولا في الأفضل بل المراد فيمن يصلح لتولي هذا المنصب ومن قام بتلك الأمور ونهض بها فهو المراد من الإمامة والمراد بالإمام وعليه أن ينتخب من العلماء المبرزين المجتهدين المحققين من يشاوره في الأمور ويجريها على ما ورد به الشرع ويجعل الخصومات إلى أهل هذه الطبقة فما حكموا به كان عليه إنفاذه وما أمروا به فعله ومعرفة أهل هذه الطبقة لا يخفى على العقلاء الذين لا نصيب لهم في العلم فإنه لا بد أن يرفع الله لهم من الصيت والشهرة ما يعرف به الناس أنهم الطبقة العالية من جنس أهل العلم وليس للإمام إذا لم يكن مجتهدا أن يستبد بما يتعلق بأمور الدين ولا يدخل نفسه في فصل الخصومات والحكم بين الناس فيما ينوبهم لأن ذلك لا يكون إلا من مجتهد كما قدمنا من القضاء.
والحاصل أنه لا دليل في المقام يوجب علينا اشتراط اجتهاد الأئمة حتى يجب المصير إليه ولا إجماع حتى يكوت التعويل عليه وليس في المقام إلا مجرد المجادلة بمباحث راجعة إلى الرأي البحت كما يعرف ذلك من يعرفه وما أهون مثلها على المحققين من علماء الدين المتقيدين بالدليل المحكمين للشرع.
قوله: "عدل".
أقول: العدالة ملاك الأمور وعليها تدور الدوائر ولا ينهض بتلك الأمور التي ذكرنا أنها المقصودة من الإمامة إلا العدل الذي تجري أفعاله وأقواله وتدبيراته على مراضي الرب سبحانه فإن من لا عدالة له لا يؤمن على نفسه فضلا عن أن يؤمن على عباد الله ويوثق به في تدبير دينهم ودنياهم ومعلوم أن وازع الدين وعزيمة الورع لا تتم أمور الدين والدنيا إلا بها ومن لم يكن كذلك خبط في الضلالة وخلط في الجهالة واتبع شهوات نفسه وآثرها على مراضي الله ومراضي عباده لأنه مع عدم تلبسه بالعدالة وخلوه من صفات الورع لا يبالي بزواجر الكتاب والسنة ولا يبالي أيضا بالناس لأنه قد صار متوليا عليهم نافذ الأمر والنهي فيهم فليس لأهل الحل والعقد أن يبايعوا من لم يكن عدلا إذا قد اشتهر بذلك إلا أن يتوب ويتعذر عليهم العدول إلى غيره فعليهم أن يأخذوا عليه بأعمال العادلين والسلوك في مسالك