[فصل
وتجب والإشهاد على من له مال بكل حق لآدمي أو لله مالي أو يتعلق به ابتداء أو انتهاء فالثلاثة الأول من رأس المال وإن لم يوص ويقسط الناقص بينها ولا ترتيب والرابع من ثلث الباقي كذلك إن أوصى ويشاركه التطوع] .
قوله: "فصل: تجب والإشهاد على من له مال".
أقول: وجه الوجوب قول الله عزوجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 180] ، لا يستلزم نسخ وجوبها لغيرهم ويؤيد الوجوب الحديث الثابت في الصحيحين [البخاري "2738"، مسلم ط1/1627"، وغيرهما أبو داود "2862"، النسائي "6/238، 239"، الترمذي "2118"، ابن ماجة "2702"، أحمد "2/10، 50، 57، 80، 113"] ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرىء مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه"، وفي هذه العبارة ما يقتضي الإيجاب على طريق المبالغة ولم يأت من أراد دفع دلالة هذا الحديث على الوجوب بطائل وقد حققنا هذا المبحث في شرحنا للمنتقي فليرجع إليه.
والحاصل أن وجوب تخلص العبد من الحقوق اللازمة له لله ولعباده معلوم بأدلته فإذا لم يكن التخلص عنه في حال الحياة كان التخلص عنه بالوصية واجبا والجمهور وإن قالوا بأنها مندوبة فهم لا يخالفون في مثل هذا لأنهم يوافقون على وجوب التخلص من الواجبات بكل ممكن فإذا لم يمكن إلا بالوصية فهم لا ينكرون الوجوب.
وأما الوصية بما يريد الإنسان أن يتقرب به من القرب فمعلوم أن ذلك إليه وراجع إلى اختياره لأنه لا يجب عليه غير ما هو واجب عليه وأصل التقربات التي لم يوجبها الشرع الندب فلا يزيد عليها ما هو متفرع عليها وهو الوصية.
وأما وجوب الإشهاد فإذا علم الموصي أن وصيته لا تتم إلا بذلك كان واجبا عليه وإلا فلا وجه للوجوب.
وأما قوله: "على من له مال" فوجه ذلك أن من لا مال له قد تعذر عليه التخلص عن الواجب والتقرب بالمندوب فلا فائدة في وصيته ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "وله شيء يريد أن يوصي فيه"، لكن إذا علم أنه إذا أوصى حصل تخليص ما عليه من بيت المال أو من إخوانه المسلمين كان ذلك واجبا عليه لأنه نوع من التخلص وقوله لكل حق لآدمي أو لله وجهه ظاهر كما قدمنا.
وأما قوله: "أو يتعلق به ابتداء أو انتهاء" فليس المراد إلا ثبوت ذلك عليه قبل موته فإذا تقرر ثبوته كان له حكم الدين فيخرج من الرأس لقوله عزوجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، وإن كان ثبوته قبل موته غير متقرر كالنذر والهبة ووصايا القربة مع إضافة ذلك