تظهر مع أول مقتض، ولكل أمر، ولا تحتاج إلى عناء كبير لكي تعرف وتدرك؛ لملازمتها القول والسلوك والعمل.
والداعية بها ينتظره الناس ويقدمونه عليهم، فيأخذون رأيه، وينهجون نهجه ويجعلونه رائدهم، وما استحق ذلك عندهم إلا بعد أن تأكدوا من الصور العملية لهذه الصفة، فهو حبيب يتمنى الخير للجميع، كما يتمناه لنفسه، فيصل الرحم، ويكرم الجار، ويقري الضيف، ويخلص للجميع، ولا يترك أمرا فيه مصلحتهم إلا ويحث عليه ويبعدهم عن سواه، ودائما تلقاه مهتما بالخير والنفع، فيكرر النصيحة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وتعاونه مع الجميع يلمسه الجميع، في كثرة ووضوح، وهو في هذا لا ينتظر من الناس جزاء أو شكورا، وكل ما يتمناه أن يجعل الأفهام متفتحة لدعوة الله مقبلة على تدبرها واليقين بها.
والداعية يطبق أشكال هذه الصفة عن اقتناع بها؛ لأنها أوامر دينه إليه، وحياة رسوله صلى الله عليه وسلم مع الناس، وإذا كانت هذه مصادر دعوته فهو أحق الناس بتطبيقها.
إن الدروس المستفادة من فهمه لحقيقة الإنسانية، ودعوة الإسلام للتعارف، تحتم المشاركة الصادقة، وجدانيا، وعقليا، وحسيا، ليصنعوا جميعا ما يفيدهم وينفعهم، وآيات القرآن تؤكدها وتحث عليها، انظر قوله تعالى حينما يخاطب القوم بصيغة الجماعة، فإنه لا يفرق بين إنسان وإنسان، ولا بين مؤمن ومؤمن، فالخطاب واحد للجميع؛ إذ ينادي: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، وهذا يعلم المشاركة، بل إن القرآن يعلم الناس أن يكون دعاؤهم لأنفسهم ولغيرهم؛ إذ يقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، وهو دعاء في سورة الفاتحة يقرؤه المسلم كل يوم داعيا بصيغة الجماعة إيثارا لغيره، وتبرئة لنفسه من الأنانية، ولأنه شيء يحبه الله ورسوله؛ حيث يقول تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} 1، ويقول إخبارا