أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} 1.
إن هذا الإيمان الراسخ "من الداعية" الذي استتبع عبادة مخلصة صادقة، وحبا هائما شاملا، يؤدي بصاحبه حتما إلى التوكل الدائم على الله، والاستسلام له بلا تردد؛ لأنه ما دام قد ثبت في نفسه ثبوتا جازما أنه لا فاعل إلا الله، واعتقد فيه تمام العلم وتمام القدرة على كفاية العباد، ثم تمام العناية والرحمة بجملة العباد وآحادهم، وأنه ليس وراء منتهى قدرته وعلمه ورحمته قدرة ولا علم ولا رحمة، فإنه متكل لا محالة على الله، مستمر في انفعاله الروحي الصادق؛ لأن الله معه في كل آنٍ وحال.
ولتمام توكله نجده يسلم أمر رزقه إلى الله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين} 2، ويترك كل شيء لإرادة الله؛ لأن المسألة هي: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} 3، ويشكر النعم ويصبر على المكروه: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} 4.
وعلى الجملة، فإن المرء كما يقول الحكيم الترمذي: "من نور الله قلبه بالإيمان قويت معرفته، واستنارت بصيرته بنور اليقين، فاستقام قلبه، واطمأنت نفسه، وسكنت، ووثقت، وأيقنت، وسعدت بربها الخالق، وائتمنته على نفسها، فرضيت به وكيلا، وتركت التدبير عليه، فإن وسوس له عدوه بالرزق والمعايش لم يضطرب قلبه ولم يتحير؛ لأنه قد عرف أن ربه قريب، وأنه لا يغفل ولا ينسى، وأنه رءوف رحيم، وأنه حليم ودود، وأنه رب عفو غفور، وأنه عدل لا يجور، وأنه عزيز لا تمتنع منه الأشياء، وأنه يجير ولا يجار"5.