في طبيعته بعض التعديل عنه وهو وحده؛ حيث ينشط جانبه الوجداني، بسبب تفاعل مع الجماعة، واستهوائها له، وسيطرة روحها العامة على ملكاته الخاصة.

وقد سبق أن رأينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى العالم كله؛ ولذلك عرفه الله بطبائع الناس، وواقع المجتمعات المختلفة عن طريق القصص القرآني الذي نزل أغلبه في مكة قبل الهجرة.

وقد احتوى القصص القرآني على نماذج من المجتمعات البشرية، ووضح خصائصهم، وحدد أساليب مخاطباتهم؛ حيث نراه يصور الملأ والضعفاء، ويجلي حقيقة المنافقين والمشركين، ويبين دور السفهاء والمترفين بين الناس ... إلخ.

وبذلك قدم القصص القرآني تحليلا صحيحا للنفوس والعقول للناس أجمعين.

إن الهيكل العام للقصة القرآنية يأخذ صورة واحدة، فهو قائم على دعوة الله يقدمها الرسول إلى قومه، إلى من أرسل إليهم، فيقف المدعوون موقف المعارضة والإنكار، فيأخذ الرسول في محاورتهم، والرد عليهم، ويناقشهم في شبههم ومعارضاتهم، ويبين لهم الصدق بأدلته، ويحدد لهم بطلان ما هم عليه ببراهينه، ويطوف بهم خلال الحوار مع طبيعة النفوس، واتجاهات العقول، وميول الوجدان.

إن القصص القرآني يبرز ملامح أشخاصه ومنهجهم في الجدل والحوار، وموقفهم من الحق، وبذلك يقدم للدعوة والدعاة صورة حقيقية للمدعوين.

وينتهي القصص القرآني دائما ببيان عاقبة المؤمنين، ومصائر الضالين المكذبين.

والواضح من هذا ما رأينا في تنشئة النبي صلى الله عليه وسلم فلقد عاشر الرعاة، وعاش مع فئة العمال والأجراء، وتعامل مع التجار وسادة الناس، وكان له مع الملأ مواقف وتصرفات، وانتقل إلى عديد من الأماكن؛ حيث سافر إلى المدينة، وإلى بلاد الشام، وتربَّى في بادية بني سعد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015