وحين اتجه علماء الكلام إلى العقل وحده، ماذا كانت الثمرة التي جناها الإسلام من وراء جهودهم الخارقة التي ظلت قرونا وقرونا تبدئ وتعيد، في حجج عقلية باردة، لا تثير وجدانا، ولا تدفع إلى عمل؟!!

إن علينا أن نلتقي بالإنسان في قواه المختلفة، وأن نتعامل معها جميعا، نتعامل مع العقل بما له من قوة الإدراك والتمييز، ونتعامل مع الوجدان باعتباره وعاء الأحاسيس والمشاعر، التي تنشأ عن التأثير بما يسر ويؤلم، ونتعامل مع الإرادة باعتبار ما تتخذه من قرارات هي النتيجة النهائية لاستجابتها أو رفضها للدعوة، ذلك أن الصفات النفسية للإنسان مرتبط بعضها ببعض، ويؤثر بعضها في بعض، والإيمان هو حالة نفسية، مرتبط بالجوانب النفسية كلها، يتأثر بها ويؤثر فيها.

يقول الدكتور/ محمود حب الله: فالعقائد الدينية لا تعتمد على جانب واحد من جوانب الحياة النفسية للإنسان -الوجدانية والإرادية والعقلية- ولكنها تتصل بها كلها اتصالا وثيقا، ولا ترضى نفس المرء ولا تكتمل شخصيته إلا إذا تضامنت شخصيته ونواحيه النفسية كلها، وعملت معا على تقبل كل عقيدة من عقائده، فلا يوجد شيء من التضارب بين قواه المتعددة، حول عقيدة من العقائد، بل انسجام ووئام، فيوجد قبول عقلي، واطمئنان قلبي، والتقاء مع الإرادة، وذلك هو كمال الشخصية وكمال العقيدة1.

ثم يقول: وما دامت العقائد الدينية متصلة بكل من العقل والوجدان والإرادة احتاجت في وسائل نشرها إلى الاعتماد على كل هذه القوى2.

وما دام هذا شأن من توجه له الدعوة وطبيعته، فلا بد لنا -كي نصل إلى التأثير فيه- أن نلاحظ طبيعته بكل جوانبها؛ لأن الفرد في جماعة يواجه واقعا يحدث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015