المدينة التي ابتناها "قسطنطين" في موقع ممتاز1، واتخذ لها هذا الاسم الديني، المنسوب إليه؛ لتكون في الحقيقة رمزا على مجتمع هذه الدولة، ونظمها الأوتوقراطية2؛ حيث كانت الهوايات، والنزعات، وكافة الأمور من سياسية واجتماعية، تلبس ثوبا دينيا3، فإذا ما تعرضت الدولة لهجمات بربرية فإنها في دستورهم أحكام من السماء نزلت على عالم فاسد يستحقها4، وصار الفرد يعيش بمجموعة من الأوهام، فإذا نزل به مرض فإن ذهابه إلى الطبيب كفر، وكانت جماهير المرضى من جميع أنحاء الإمبراطورية تهرع إلى القسطنطينية؛ لتعالج في كنيسة يوحنا المعمداني5.

ولقد مزقت الطبقية أوصال هذا المجتمع، ذلك أن طبقته العليا المكونة من الإمبراطور، وأعضاء مجلس الشيوخ، كانت تقرب طبقة ثانية تقل عنها، وتتكون من الملأ، وأغنياء التجار، وأصحاب الحوانيت؛ ليمثلوا وجهة نظرهم ويقبضوا لهم على زمام الأمور، ويسخروا الشعب المتمثل في مجموعات العبيد، والأُجَراء، ورَعَاع المدن6، وكثيرا ما صدرت قرارات إمبراطورية تجعل من المستأجر رقيقا تابعا، هو وأولاده وزوجته، للمالك يرتبط بالأرض مملوكا لسيده7، وكان هذا النظام مطبقا في الولايات التابعة للإمبراطورية الشرقية8.

واتصف البيزنطيون بالخدعة، والخيانة الصريحة، والوحشية، والعنف؛ نتيجة لقلة عددهم أمام عدوهم، ولما رأوه أمام أعينهم من ساستهم، الذين كانوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015