وكذلك أراد الله بالأنصار خيرا، وأراد الله بدينه أن يظهره على أيدي هذا الحي من العرب، وقضى بأن يكون للأنصار اليد الطولى في نصرة الإسلام، بعد أن أنعم الله عليهم بنعمة التوحيد والتوحد، ومحا ما كان بينهم من العداء والتنافر، فلطالما سالت الدماء غزيرة بين الأوس والخزرج، وكان آخر يوم شهدوه هو يوم بعاث الذي ذهب ضحيته العديد من رجالاتها، وكان اليهود وراء هذه الدماء الغزيرة التي تسيل ضمانا لسيادتهم، وابتزازا لأموال المتحاربين، عن طريق بيعهم الأسلحة، وما تحتاج إليه الحروب.

لقد قامت هذه المبايعة على المصارحة، فقد اشترط العباس للنبي صلى الله عليه وسلم، كما اشترط أبو الهيثم لقومه وعلم كل طرف ما له وما عليه، وبذلك لم تكن بيعة قائمة على مجرد العاطفة فقط، ولكنها قامت على التفهم للموقف، والنظرة البعيدة للمستقبل.

وتجلت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم حين طلب من الأنصار أن يكتموا أمرهم حين يتوافدون إليه في المكان الذي واعدهم فيه وقد أطاعوه، فلم يوقظوا نائما، ولم ينتظروا غائبا، ذلك أنه كان يراقبهم في هذا الموسم من لم يدخل نور الإسلام في قلبه، وأراد الله تعالى تضليل أهل مكة، فتولى هؤلاء الذين لم يسلموا عبء الرد فيما بعد على مشركي قريش حين عاتبوا اليثربيين على مبايعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وسلم الأنصار المبايعون من عناء مجادلة المشركين والتعرض للكذب إن أنكروا.

وبعد تمام البيعة الكبرى عاد الأنصار إلى مدينتهم، وأخذ المشركون يشتدون في أذى المسلمين، ومنعهم من الخروج.

فشكا الصحابة أحوالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستأذنوه في الخروج من مكة، فأذن لهم، وقال لهم: $"أريت دار هجرتكم، أرض سبخة ذات نخل بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015