وهكذا نراهم يعرفون الله بأنه الخالق، القادر، المدبر، الحكيم، المسخر لكل شيء في الوجود، وقد سجل القرآن الكريم لهم هذه المعرفة بقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 1، وبقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 2، وبقوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 3، وبقوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 4، وبقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 5، فهم يعرفون أن الخالق هو الله، ومسخر الفلك هو الله، ومنزل المطر ومحيي الأرض هو الله، وهو المالك لكل شيء.
وهذه النظرة إلى الله بما فيها من قداسة وسمو، لم تصل إلى التوحيد الخالص بسبب انعدام التعاليم الثابتة، الأمر الذي جعلهم يبحثون عن واسطة تربطهم بهذا الإله الأعلى، ويبدو أن "ابن لحي" كان يتمتع بعقلية فذة استغل بها الوضع القائم، فقدم العرب الأصنام كرمز على شيء آخر عظيم، ولتكون واسطتهم إلى الله فعبدوها وقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، لدرجة أن بعض الجاهلين كانت أصنامهم على صورة تخيلوها للملائكة؛ لاعتقادهم أن الملائكة ذو منزلة عند الله، فهم أَوْلَى أن يكونوا واسطتهم إليه6.