وبهذا التقسيم أكتب في السيرة، وهو الأمل الذي كنت أتمناه، كما أكتب في تاريخ الدعوة الذي أرجو له أن يصير علما شامخا بين سائر العلوم الإسلامية، وأكتب للدعاة الذين هم أمل الأمة في النهوض والتقدم، ولسوف أستفيد من سائر العلوم الإنسانية والدينية؛ لأن الدعوة في الحقيقة هي غاية كل العلوم، والحركة بها تحتاح لدراسات عديدة.
إن الدعوة إلى الله تعالى من أهم علوم الإسلام في أي جانب من جوانبها، ويكفي شهادة على ذلك موقف القرآن الكريم معها، فهو الذي حدد موضوعها، ورسم مناهجها، وقص تاريخها، وأنزل العديد من أساليبها ووسائلها..
ومن المعلوم أن كل العلوم الإسلامية نشأت لخدمة القرآن الكريم، وخدمة أهدافه، والدعوة هي هدفه الأول، وغايته الأساسية..
وأملي في الله، ودعائي له أن يهيئ العلماء المخلصين، وييسر لهم العمل لإبراز علوم الدعوة، متميزة بموضوعها، ومنهجها، وغايتها، وشرفها؛ ليتتلمذ بها ومعها وعليها المؤمنون المخلصون.
يقول الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} 1، ويقول سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا، وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} 2، ويقول سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} 3.
فالقرآن الكريم هو كتاب الدعوة، ولا جديد في الدعوة بعد القرآن الكريم، اللهم إلا اجتهادات عقلية في مجال التطبيق، والملاءمة بين القضية والواقع في إطار