يضحك سرورًا باستقامة أمر الناس وإخلاصهم مع الدين لله وهو ليس معهم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهم الناس أن يفتنوا في صلاتهم فرحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم بيده رسول الله أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر1، وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح حيث كان مسكنه.
ومع هذا التصور الذي شعر به المسلمون بعد صلاة الفجر كانت هي الصلاة الأخيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توفي صباح يوم الاثنين وهو عند عائشة رضي الله عنها.
تقول عائشة: إن من نعم الله عليّ أن رسول الله توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه، ودخل عليّ عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله إلى صدري فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناوله فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته بأمره فاستن به وهو مستند إلى صدري، وبين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: "لا إله إلا الله، إن للموت سكرات" 2.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه لن يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا أو يخير". فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: "اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم الرفيق الأعلى". فكان آخر كلمة تكلم بها: "اللهم الرفيق الأعلى" 3.
فلما رأت عائشة رضي الله عنها شدة الموت التي لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فلا أكره شدة الموت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم4.
ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم مالا، وخرج من الدنيا وهو مدين, يقول عمرو بن الحارث: ما ترك