ليودع الأموات كالأحياء، ثم خطب في أصحابه وقال: "إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني أنظر إليكم من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوها" 1.

وفي ليلة من ليالي صفر من نفس العام خرج إلى البقيع وخاطب الموتى قائلا: "السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن عليكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى 2 ... وإنا بكم للاحقون". ولما رجع صلى الله عليه وسلم من البقيع وجد عائشة تشكو ألمًا وتقول: وارأساه.

فقال صلى الله عليه وسلم: "بل أنا والله يا عائشة وارأساه، وما ضرك لو مت قبلي فقمت إليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك".

قالت رضي الله عنها: والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك.

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونام به وجعه وهو يدور على نسائه، حتى اشتد عليه المرض وهو في بيت ميمونة3.

وفي يوم الاثنين التاسع والعشرين من صفر بدأ مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخير الذي استمر أربعة عشر يومًا.

ولما ثقل المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يسأل: "أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا"؟ 4.

يستعجل يوم عائشة رضي الله عنها ففهم الصحابة، وفهمت أمهات المؤمنين مراد النبي صلى الله عليه وسلم بسؤاله فأذن له أن يستمر عند عائشة مدة مرضه, فانتقل صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة يمشي بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب وذلك بعد مرضه بسبعة أيام5.

ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج يومًا بين العباس وعلي حتى جلس على المنبر فحمد الله تعالى ثم قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015