الصالح، وأي سمو في الحياة كهذا السمو الذي جعل حياة محمد صلّى الله عليه وسلم قبل الرسالة مضرب المثل في الصدق والكرامة والأمانة، كما كانت بعد الرسالة كلها تضحية في سبيل الله وفي سبيل الحق الذي بعثه الله به، تضحية استهدفت حياته من جرائها للموت مرات، فلم يصده عنه أن أغراه قومه وهو في الذروة منهم حسبا ونسبا بالمال والملك وكل المغريات (?) .
والغريب أن هذه الإنسانية الأخلاقية قد طبقت على هذا النحو الخارق للعادة في أروع صور البساطة واليسر، فبدت- مع سموها- وكأن البساطة وعدم التقعر أو التكلف نسيجها الذي يجمع بين خيوطها المترابطة (?) . فعن عائشة رضى الله عنها قالت:
«ما لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسلما من لعنة تذكر، ولا انتقم لنفسه شيئا يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله، ولا ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يضرب في سبيل الله، ولا سئل شيئا قط فمنعه إلا أن يسأل مأثما، فإنه كان أبعد الناس عنه» .
عن عائشة رضى الله عنها قالت: «ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه» (?) .
«إن هذا النبي كان له- كما يقول كاتب نصراني- في مجال الأخلاق شؤون وشؤون، فبالرغم من مهامه الجسام وانشغالاته الكثيرة المتنوعة، وبالرغم من الغزوات والسرايا والحروب، واضطلاعه بجميع المسؤوليات وحده دون سواه، فلقد وجد الوقت الكافي ليلقي على المؤمنين- بأقواله وأفعاله- دروسا في شؤون لا تمر ببال مسؤول كبير في مثل مستواه وخطورته.. فذلك العظيم الذي كان يحاول تغيير التاريخ، ويعد شعبا يفتح الدنيا من أجل الله، ذلك الرجل وجد الوقت الكافي ليلقي على الناس دروسا في آداب المجتمع وفي أصول المجالسة وكيفية إلقاء السلام، لكأنه معلم حصر مهمته في تثقيف بضعة وعشرين تلميذا، ولم يكن له مهمة سواها» (?) .
ولقد نجح محمد صلّى الله عليه وسلم نجاحا باهرا في كل عمل اضطلع به من أكبر عمل وهو تبليغ الرسالة إلى أصغر عمل قام به (?) .