فيقول تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107] .
وفي موضع آخر يصفه بالصفة الجامعة لكل خصال الخير وجميع الفضائل الإنسانية، فيقول: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4] .
والخلق العظيم هو جوهر رسالته صلّى الله عليه وسلم فهو القائل: «بعثت لأتمم حسن الأخلاق» (?) ولقد عاش رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخلاقيّا من طفولته إلى أن لقي ربه. فقد كان قوم ينادونه بصفة نادرة في ذلك الزمان وقبل أن يبعث: فقد نادوه وعرف بينهم «بالصادق الأمين» . وعظمة الرسول محمد صلّى الله عليه وسلم ليست في أنه يمتاز بمجموعة من الأخلاق الإنسانية العالية فحسب، فهو الأمين إذا ذكرت الأمانة، وهو الصادق إذا ذكر الصدق، وهو الوفي، الكريم، الزاهد، الشجاع، المتواضع، الرحيم، البار، الحكيم، الفصيح، البليغ، العابد، كان الرسول هذا كله وكان فوق هذا، فكانت أخلاقه فوق الصعاب وفوق كل الظروف والتقلبات التي تأتي بها الأيام، لقد كان قادرا على أن يلتزم الموقف الأخلاقي المناسب، مهما تكن اللحظة التاريخية حرجة وحاسمة، إنه نبي يشرع بسلوكه وينطلق من منهج واضح وليس من ردّ فعل تمليه أو تفرضه أية ضغوط أو ظروف (?) .
«لقد تحدث بعض الكتاب معددا الخوارق التي صاحبت الدعوة المحمدية فقال:
إن من أعظم الخوارق التي لمحمد صلّى الله عليه وسلم أخلاقه؛ فكانت في ذاتها أمرا خارقا للعادة بين بني الإنسان، فهي أعلى من أخلاق الملائكة؛ لأن الملائكة حسنت أخلاقهم بمقتضى كونهم لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6] .. فمحمد بين الناس الإنسان الذي تتجلى فيه الإنسانية الكاملة» (?) .
وقد كانت صفحة حياته- عليه الصلاة والسلام- كما نقلت إلينا بكل دقة وتوثيق- أخلاقية إنسانية بلغت من السمو غاية ما يستطيع إنسان أن يبلغ، وكانت لذلك أسوة حسنة لمن هداه الله أن يحاول بلوغ الكمال الإنساني من طريق العمل