ولم يتزوّج صلى الله عليه وسلم بكرا إلا عائشة بنت أبي بكر.

وما تزوّج زواجا إلا ولهذا الزواج مصلحة راجحة من مصالح الدعوة الإسلاميّة، أو المروءة ومكارم الأخلاق، أو جلب منفعة عامّة، ودرء خطر اجتماعيّ كبير، فقد كان للأرحام والمصاهرة تأثير كبير في حياة العرب القبليّة، والاجتماعيّة، وقيمة ليست في أمّة أخرى، فكان لهذه المصاهرة أثرها البعيد في تاريخ الدعوة الإسلاميّة، والمجتمع الإسلاميّ المثاليّ، وحقن الدماء والتوقي من معرّة القبائل العربيّة.

ولم تكن حياته معهنّ حياة ترف ورفاهية، وتوسّع في المطاعم والمشارب وخفض العيش- وتلك غاية الزوجات في نظر كثير من الناس- بل كانت حياة زهد وتقشّف، وإيثار وقناعة، لا يطيقها أعاظم الرجال وكبار الزهاد في القديم والحديث، وحسب القارىء المنصف أن يقرأ قوله تعالى:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب: 28- 29] .

وكان من أثر هذه الغاية المتوخّاة، والنفسيّة السامية، والتربية العميقة المؤثرة، أن اخترن كلّهنّ- رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ من غير استثناء وتلكّؤ- الله ورسوله والدار الآخرة، ويكفي مثالا، ما أجابت به عائشة- رضي الله عنها- فلمّا تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، وقال لها: «لا عليك ألا تستعجلي حتّى تستأمري أبويك» .

قالت له: أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد الله ورسوله والدار الآخرة «1» ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015