وكانت لأهل مكّة متنزهات ينتجعها المكّيّون في الأصائل، من شهور القيظ، وكان المتنعّمون فيهم يشتون بمكة ويصطافون بالطائف، وكان كثير من فتيانهم اشتهروا بالأناقة في الحياة والتجمّل في اللباس، وكانت كسوة بعضهم تقوّم بمئات من الدراهم.
وقد نشطت الحركة التجارية في مكّة، فكان تجّارها يتجوّلون في بلاد كثيرة من إفريقية وآسيا، ويحملون من كلّ بلد ما يستطرف ويستظرف فيها، وما تشتدّ إليه الحاجة في بلادهم.
فكانوا ينقلون من إفريقية الصمغ، والعاج، والتبر، وخشب الآبنوس، ومن اليمن الجلود، والبخور، والثياب، ومن العراق التوابل، ومن حاصلات الهند الذهب، والقصدير، والحجارة الكريمة، والعاج، وخشب الصندل، والتوابل، والزعفران، ومن مصر والشّام الزيوت والغلال والأسلحة والحرير والخمور.
وكانوا يرسلون إلى بعض الملوك والأمراء ما يستطرف من بضائع مكّة، وكان من أعجب ما يختار منها الأدم، وهي الجلود، كما فعلت قريش حين بعثت إلى النّجاشيّ- ملك الحبشة- عبد الله بن ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل، ليستردّا من هاجر من المسلمين إلى الحبشة، فأرسلوا معهما من الهدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة وكان الأدم.
وكانت من النساء تاجرات، لهنّ نشاط في إرسال القوافل التجارية إلى الشام وغيرها، اشتهرت منهن خديجة بنت خويلد، والحنظلية أمّ أبي جهل، يشير إلى ذلك قوله تعالى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء: 32] .