وَجَاء رجل مُعظم فيهم فحطبهم فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَذَكَرَ الرُّسُل وَمَا أيدوا بِهِ، وَذكر عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَأَنَّهُ كَانَ عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخَيْرِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ، ثُمَّ لَمَّا أَرَادُوا الِانْصِرَافَ تَبِعَهُ سَلْمَانُ وَلَزِمَهُ.
قَالَ فَكَانَ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ مِنَ الْأَحَدِ إِلَى الْأَحَدِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَيَعِظُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، فَمَكَثَ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَزُورَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَحِبَهُ سَلْمَانُ إِلَيْهِ.
قَالَ: فَكَانَ فِيمَا يَمْشِي يَلْتَفِتُ إِلَيَّ وَيُقْبِلُ عَلَيَّ فَيَعِظُنِي وَيُخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبًّا، وَأَنَّ بَيْنَ يَدَيْ جَنَّةً وَنَارًا وَحِسَابًا وَيُعَلِّمُنِي وَيُذَكِّرُنِي نَحْوَ مَا كَانَ يُذَكِّرُ الْقَوْمَ يَوْمَ الْأَحَدِ.
قَالَ فِيمَا يَقُولُ لِي: يَا سَلْمَانُ إِنَّ اللَّهَ سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُولًا اسْمُهُ أَحْمَدُ، يَخْرُجُ مِنْ تِهَامَةَ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ [النُّبُوَّةِ] وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ قَدْ تَقَارَبَ، فَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَلَا أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ أَنْتَ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ.
قُلْتُ لَهُ: وَإِنْ أَمَرَنِي بِتَرْكِ دِينِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَإِنْ أَمَرَكَ، فَإِنَّ الْحق فِيمَا يجِئ بِهِ ورضا الرَّحْمَنِ فِيمَا قَالَ.
ثُمَّ ذَكَرَ قُدُومَهُمَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَنَّ صَاحِبَهُ صَلَّى فِيهِ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، ثُمَّ نَامَ وَقَدْ أَوْصَاهُ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا أَنْ يُوقِظَهُ، فَتَرَكَهُ سَلْمَانُ حِينًا آخَرَ أَزْيَدَ مِمَّا قَالَ لِيَسْتَرِيحَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذَكَرَ اللَّهَ وَلَامَ سَلْمَانَ عَلَى تَرْكِ مَا أَمَرَهُ مِنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ خَرَجَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَسَأَلَهُ مُقْعَدٌ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ سَأَلْتُكَ حِينَ وَصَلْتَ فَلَمْ تُعْطِنِي شَيْئًا، وَهَا أَنَا أَسْأَلُكَ.
فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: قُمْ بِسْمِ اللَّهِ.
فَقَامَ وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَلَا قَلَبَةٌ (?) كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ.
فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ، احْمِلْ عَلَيَّ مَتَاعِي حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى أَهْلِي فَأُبَشِّرَهُمْ، فَاشْتَغَلْتُ بِهِ، ثُمَّ أَدْرَكْتُ الرَّجُلَ فَلَمْ أَلْحَقْهُ وَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَ، وَكُلَّمَا سَأَلت عَنهُ قوما قَالُوا: أمامك.