عاد محمَّد الصغير إلى أحضان آمنة .. ترعاه وتحنو عليه .. تحدثه ويحدثها تلاعبه ويلاعبها .. وتقص عليه وتملأ دنياه ويملأ دنياها .. فأي براءة كانت تشع في عيني ذلك الطفل الطاهر .. المغسول بالثلج في مرابع حليمة .. لا شيء كالأطفال براءة .. فتخيل براءة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير .. يا لبهجة آمنة وسعادتها به .. ويا لشقاءه بها وحزنه عليها .. بعد أن أخذته معها متجهة به نحو أخواله في (يثرب) .. حيث قضى وقتًا هناك يمرح في طرقاتها ويتأملها .. وكأنه يقول: انتظريني يا يثرب .. فسأعود لأضع لك اسمًا جميلًا خالدًا كجمال التوحيد وخلوده.

ثم رجعت آمنة بصغيرها إلى مكة .. وفي مكان يقال له الأبواء بين مكة والمدينة توقفت المطايا .. ونزلت آمنة عن ظهر الراحلة ونزل صغيرها وقد تعلقت عيناه بها وهي تتوجع وتئن أمامه .. فلا يستطيع منحها ما يخفف ألمها سوى نظرات حائرة خائفة .. وتزيد آلامها ويزيد أنينها، وتموت آمنة وتدفن أمام عينيه .. بعيدًا عن مكة .. بعيدًا عن عبد المطلب .. بعيدًا عن أعمامه .. تؤخذ آمنة منه .. وتوارى تحت أكوام التراب .. ويعود باكيًا وحيدًا حزينًا وقد تيتم مرة ثانية .. يعود إلى مكة .. يعود إلى ذلك البيت الصغير .. ويجول ببصره في أركانه الصامتة .. هنا كانت ترقد آمنة ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015