وكان علي يقول:
لا يستوي من يعمر المساجدا ... يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن التراب حائدا
وكان بعضهم يقول:
لئن قعدنا والنبي يعمل ... ذاك إذا للعمل المضلّل
وفي هذا الارتجاز في الأعمال والأسفار تنشيط للنفوس، وترويح للقلوب، فيسهل الشاق، ويلين الصعب.
ولما بني المسجد النبوي صار مصلّى المسلمين ومتعبدهم ومنتداهم ومكان تشاورهم، وكان فيه صفّة يأوي إليها الفقراء والمساكين ممّن لا مال لهم ولا دار، ولا يجدون ما يعملون به فيكتسبون، وفيه تلقى دروس العلم والحكمة. وهكذا كان المسجد النبوي يؤدي خدمات دينية وعلمية واجتماعية وسياسية، وكن على ذكر مما ذكرنا سابقا في منزلة المساجد في الإسلام.
كان المسجد النبوي في عهده صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن- الطوب النيء- وكانت عمده من جذوع النخل، وسقفه من الجذوع والجريد. وهكذا كانت المساجد في عهده صلى الله عليه وسلم تمتاز بالبساطة وعدم التكلف، ولكنها كانت عامرة بالإيمان والهدى، والعلم والمعرفة.
يدل على هذه البساطة في بناء المسجد النبوي وغيره ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك- واللفظ لمسلم- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة (?) ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاؤوا