وتسابق الأنصار في إكرام وفادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما من ليلة إلا وتجد على دار أبي أيوب القصاع والجفان يأكل منها من يشاء، ويدع من يشاء، وكذلك تسابقوا في إيواء المهاجرين وإكرامهم، وعرضوا عليهم أن يقاسموهم دورهم وأموالهم، بل وأعز شيء لديهم وهو التنازل لهم عن بعض أزواجهم كي ينكحوهن إذا رغبوا، ولكن المهاجرين أبوا واكتفوا منهم بالارتفاق والمواساة، وقد ضرب الأنصار في مواساة إخوانهم المهاجرين مثلا عليا تذكر بالإعظام والإكبار، وسنوفيهم حقهم فيما يأتي إن شاء الله.
وقد صارت دار أبي أيوب التي حظيت بهذا الشرف الرفيع إلى مولاه أفلح بعد وفاته، فاشتراها منه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف دينار، وأصلح ما وهى من بنيانها، ووهبها لأهل بيت فقراء.
وقد ذهبت إلى هذه الدار وأنا بالمدينة في زيارة رسول الله ومسجده، وهي بالقرب من المسجد النبوي، وأهاجت الدار الذكرى، وحركت لواعج الشوق والحب لأهلها الأخيار، فلله أنت يا دار أبي أيوب.
ودارت الأيام دورتها، وقدم السيد الكريم أبو أيوب الأنصاري البصرة، وكان عليها يومئذ سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما واليا من قبل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فوجد ابن عباس الفرصة سانحة لردّ الجميل المذكور لسيدنا أبي أيوب، فخرج له عن داره وأنزله فيها كما أنزل رسول الله في داره، وملّكه كل ما أغلق عليها بابها، ولما أراد الانصراف من البصرة ودّعه وأجزل له العطاء.
وما كان أبو أيوب- علم الله- ليرجو على ما عمل جزاء من أحد، ما كان يرجو إلا رضاء الله ورسوله، ولكنه أدب من اداب الإسلام، ردّ المعروف بمثله أو بخير منه، وأحق من رعى هذا الأدب الرسول واله الكرام، وقد قال معلّم الناس الأدب والخير صلى الله عليه وسلم: «من أسدى إليكم معروفا فكافئوه عليه، فإن لم تقدروا فادعوا له بخير» رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.