وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب معزّزا مكرّما سبعة أشهر، حتى بنى المسجد وبنيت دور أهله ونسائه فانتقل إليها، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما نزل في سفل دار أبي أيوب، وقد الم أبا أيوب أن يكون رسول الله في السفل، وألحّ عليه أن يكون في العلو، حتى بيّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك أرفق به وبمن يأتيه من المسلمين والزائرين، فقد كانت دار أبي أيوب منتدى يجتمع فيه المسلمون.
وبالغ أبو أيوب في إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانت تطيب نفسه أن يأكل حتى يأكل رسول الله، فكان يهيىء الطعام ويرسله إلى النبي، فإذا عادت القصعة سأل عن موضع أصابع النبي فيأكل حيث أكل. وفي ذات مرة صنع طعاما وكان فيه ثوم لم تذهب رائحته، فسأل عن موضع أصابع الرسول فقيل له: لم يأكل منه، ففزع وذهب إليه وقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكنني أكرهه، فإني أناجي من لا تناجي» (?) يريد الملائكة، وهي تتأذّى مما يتأذّى منه بنو ادم.
وفي مرة أخرى كسرت لأبي أيوب جرّة فيها ماء، ففزع أبو أيوب والسيدة أم أيوب زوجه، وأسرعا إلى قطيفة لهما كانا يعتزّان بها، فأخذاها وصارا يجففان بها الماء خشية أن يسيل الماء إلى أسفل البيت فيتأذى منه رسول الله أو زوّاره.
وقد بلغ من أدب أبي أيوب وأهله- لما امتنع الرسول أن يصعد إلى العلو- أنهم كانوا لا ينزلون في المكان المسامت لرسول الله من العلو استحياء من الله ورسوله، وهكذا فليكن الأدب، والقيم الروحية العالية، ومع اعتذار رسول الله عن الصعود إلى العلو لم يزل به أبو أيوب، يرجوه ويلح في الرجاء، حتى قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون في العلو، إذ قد خف الزوار ولم يعد هناك من حرج.