لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (?) .
روى الطبراني بسنده عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الاية: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ... ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال: «ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم؟» .
فقال: يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه أو قال مقعدته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو هذا» وروى نحوه أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء، ويؤيد رأي هؤلاء أن سياق الايات القرانية إنما هو في مسجد قباء، وهو الذي قصد أهل مسجد الضرار أن يصدوا الناس عنه بمسجدهم.
وذهب اخرون إلى أنه مسجد المدينة، واستدلوا بما ورد في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ فأخذ كفا من الحصباء فضرب به الأرض، ثم قال: «هو مسجدكم هذا» .
والذي نرجحه أنه مسجد قباء لظاهر الاية والسياق، ولا تنافي بين الاية والحديث، لأنه إذا كان مسجد قباء أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد المدينة بطريق الأحرى والأولى، وهذا الحديث ذكر في معرض المفاضلة، وليس من شك في أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وهو خير المساجد بعد المسجد الحرام (?) ولو أن النبي قال: «هو مسجد قباء» لتوهم متوهم أن مسجد النبي لم يؤسس على التقوى، ولا تخذ البعض من هذا ذريعة للتقليل من شأن المسجد النبوي، فهذا هو السر في هذا الجواب الحكيم.