السنن والمسانيد. ولا يطعن في كونها معجزات أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يتحدّ الناس بها كما تحدّاهم بالقران الكريم؛ لأن فريقا من العلماء لا يشترط في المعجزة أن تكون مقترنة بالتحدي، ثم إن بعضها وإن لم يقع التحدّي به صراحة، لكنه في قوة المتحدّى به، ففي الصحيحين وغيرهما عن عدة من الصحابة أن المشركين من أهل مكة «سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يريهم اية، فأراهم القمر شقّين حتى رأوا حراء بينهما» .
ولا أدري ما الداعي إلى إنكار المعجزات الحسية؟! والشيء إذا تواردت عليه الأدلة والبراهين ازداد قوة وثبوتا، وفي كتب الأحاديث من الصحاح والسنن والمسانيد الكثير من المعجزات الحسية، والإمامان البخاري ومسلم وهما من هما، دقة وتحريا عن الرجال، وتشدّدا في الحكم بالتصحيح- قد خرّجا في صحيحيهما قطعة كبيرة منها، وعقد الإمام البخاري لذلك بابا كبيرا (?) ، ومن أراد زيادة في بحث «المعجزات الحسية» فليرجع إلى الفصل الذي كتبته في الرسالة التي ألفتها في «الإسراء والمعراج» (?) .
والأقدمون من المؤلفين في السير والتاريخ ذكروا الكثير من المعجزات الحسية، وإن اختلفوا في ذكرها قلّة وكثرة، وابن إسحاق- شيخ كتاب السّير وعمدتهم- ذكر منها جملة مع قرب عصره من عصر النبوة، وقد لقي الكثيرين ممن أخذوا العلم والحديث عن الصحابة العدول، وروى عنهم.
وقد ابتدع هذه البدعة السيئة- وهي الاكتفاء بالقران- المستشرقون، ثم سرت عدوى هذه البدعة إلى كتابنا المعاصرين كالدكتور محمد حسين هيكل رحمه الله- في كتابه «حياة محمد» ، وكذلك صنع المستشرق الفرنسي الذي أسلم (اتيين دينيه) وزميله السيد سليمان إبراهيم الجزائري، في كتابيهما «حياة محمد» ، وقلما تجد أحدا من المؤلفين المتأخرين في «السيرة النبوية» يذكر شيئا من المعجزات الحسية.