يفضي إلى الهلاك (?).
ثم عاتب الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله: (عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ).
قال مجاهد (?): نزلت هذه الآية في أناس قالوا: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا, وهؤلاء هم فريق من المنافقين، منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول، والجد بن قيس، ورفاعة بن التابوت، وكانوا تسعا وثلاثين واعتذروا بأعذار كاذبة (?).
والآية الكريمة عتاب لطيف من اللطيف الخبير -سبحانه- لحبيبه صلى الله عليه وسلم على ترك الأولى, وهو التوقف عن الإذن إلى انجلاء الأمر وانكشاف الحال (?) ثم قال تعالى: (لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ أَن يُّجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ - إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة: 44 - 45].
هذه الآيات أول ما نزل في التفرقة بين المنافقين والمؤمنين في القتال (?)، فبين -سبحانه- أنه ليس من شأن المؤمنين بالله واليوم الآخر الاستئذان وترك الجهاد في سبيل الله، وإنما هذا من صفات المنافقين الذين يستأذنون من غير عذر, وصفهم -سبحانه- بقوله: (وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ) أي: شكت في صحة ما جئتهم به، وقوله (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) أي: يتحيرون يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى وليست لهم قدم ثابتة في شيء (?).
لقد كانت غزوة تبوك منذ بداية الإعداد لها مناسبة للتمييز بين المؤمنين والمنافقين، وضحت فيها الحواجز بين الطرفين، ولم يعد هناك أي مجال للتستر على المنافقين أو مجاملتهم, بل أصبحت مجابهتهم أمرًا ملحًّا بعد أن عملوا كل ما في وسعهم لمجابهة الرسول والدعوة، وتثبيط المسلمين عن الاستجابة للنفير الذي أعلنه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والذي نزل به القرآن الكريم، بل وأصبح الكشف عن نفاق المنافقين، وإيقافهم عند حدهم واجبًا شرعيًّا (?).