وبلغ الأمر بالضعفاء والعجزة ممن أقعدهم المرض أو النفقة عن الخروج إلى حد البكاء شوقًا للجهاد وتحرجًا من القعود حتى نزل فيهم قرآن: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ - وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة: 91 - 92].

إنها صورة مؤثرة للرغبة الصحيحة في الجهاد على عهد رسول الله، وما كان يحسه صادقو الإيمان من ألم إذا ما حالت ظروفهم المادية بينهم وبين القيام بواجباتهم، وكان هؤلاء المعوزون وغيرهم ممن عذر الله لمرض أو كبر سن أو غيرهما يسيرون بقلوبهم مع المجاهدين (?) وهم الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: «إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم» قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: «وهم بالمدينة حبسهم العذر» (?).

رابعًا: موقف المنافقين من غزوة تبوك:

عندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم النفير ودعا إلى الإنفاق في تجهيز هذه الغزوة، أخذ المنافقون في تثبيط همم الناس قائلين لهم: لا تنفروا في الحر، فأنزل الله تعالى فيهم: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَن يُّجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ - فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [التوبة: 81 - 82].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في جهازه لتبوك، للجد بن قيس: «يا جد, هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟» فقال: يا رسول الله أوتأذن لي ولا تفتني؟ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «قد أذنت لك» ففيه نزلت الآية: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة: 49]. وذهب بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مبدين أعذارًا كاذبة ليأذن لهم بالتخلف، فأذن لهم, فعاتبه الله بقوله: (عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) [التوبة: 43].

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسًا منهم يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهم من أحرق عليهم بيت سويلم (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015