عدلوا عن الطريق للنوم ووكلوا بلالا بحراستهم، فنام بلال ولم يوقظهم إلا حرُّ الشمس (?) , كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - حيث قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يكلؤنا؟» (?) فقال بلال: أنا. فناموا حتى طلعت الشمس، واستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «افعلوا كما كنتم تفعلون» قال: ففعلنا، قال: «فكذلك فافعلوا لمن نام أو نسي» (?) وقد وردت أحاديث أخرى تفيد أن قصة نومهم عن صلاة الصبح وقعت في غير الحديبية، وحاول بعض العلماء التوفيق بين هذه النصوص، وذهب الدكتور حافظ الحكمي إلى أن ما ورد من اختلاف بين حديث عبد الله بن مسعود في قصة الحديبية وغيره محمول على تعدد القصة كما رجح ذلك النووي (?)، وجنح إليه ابن كثير (?) وابن حجر (?) والزرقاني, بل قال السيوطي: لا يجمع إلا بتعدد القصة (?).

4 - مشروعية الهدنة بين المسلمين وأعدائهم ومقدار المدة التي تجوز المهادنة عليها:

استدل العلماء والأئمة بصلح الحديبية على جواز عقد هدنة بين المسلمين وأهل الحرب من أعدائهم إلى مدة معلومة، سواء أكان ذلك بعوض يأخذونه منهم أم بغير عوض، أما بدون عوض فلأن هدنة المدينة كانت كذلك، وأما بعوض فبقياس الأولى؛ لأنها إذا جازت بدون عوض، فلأن تجوز بعوض أقرب وأوجه.

وأما إذا كانت المصالحة على مال يبذله المسلمون فهو غير جائز عند جمهور المسلمين، لما فيه من الصغار لهم، ولأنه لم يثبت دليل من الكتاب أو السنة على جواز ذلك، قالوا: إلا إن دعت إليه ضرورة لا محيص عنها, وهو أن يخاف المسلمون الهلاك أو الأسر فيجوز كما يجوز للأسير فداء نفسه بالمال.

وقد ذهب الشافعي وأحمد -رحمهما الله- وكثير من الأئمة إلى أن الصلح لا ينبغي أن يكون إلا إلى مدة معلومة، وأنه لا يجوز أن تزيد المدة على عشر سنوات مهما طالت؛ لأنها هي المدة التي صالح النبي صلى الله عليه وسلم قريشًا عليها عام الحديبية (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015