معسكر قريش، وأخذت جبهة قريش تتداعى أمام قوة الحق الصامدة، وكذلك فقد انهارت حجة قريش في جمعها للعرب ضد النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد نجح النبي صلى الله عليه وسلم بحكمته وذكائه نجاحًا عظيمًا، باستخدام الأساليب الإعلامية والدبلوماسية المتعددة للحصول على الغاية المنشودة، وهي تفتيت جبهة قريش الداخلية، وإيقاع الهزيمة في نفوسهم، وإبعاد حلفائهم عنهم وإن هذه النتيجة لتعد بحق نصرًا ساحقًا حققه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجبهات السياسية والإعلامية والعسكرية (?).
3 - سفارة الحُلس بن علقمة:
ثم بعثوا الحلس بن علقمة الكناني سيد الأحابيش، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا من قوم يتألهون, فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه وأمر برفع الصوت في التلبية، فلما رأى الحلس الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، رجع إلى قريش قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك إعظاما لما رأى (?) فقد كان الوادي مجدبًا لا ماء فيه ولا مرعى، وقد أكل الهدي أوباره من طول الحبس عن محله، ورأى المسلمين وقد استقبلوه رافعين أصواتهم بالتلبية وهم في زي الإحرام، وقد شعثوا من طول المكوث على إحرامهم .. ولذلك استنكر تصرف قريش بشدة، وانصرف سيد بني كنانة عائدًا من حيث أتى دون أن يفاتح النبي صلى الله عليه وسلم بشيء, أو أن يفاوضه كما كان مقررًا من قبل، واعتبر عمل قريش عدوانيًّا ضد زوار بيت الله الحرام، ولا يجوز لأحد أن يؤيدها أو أن يناصرها على ذلك (?)، فرجع محتجًّا على قريش التي أعلنت غضبها لصراحة الحلس، وحاولت أن تتلافى هذا الموقف الذي يهدد بانقسام خطير في جبهة قريش العسكرية، ونسف الحلف المعقود بين قريش والأحابيش، وقالوا لزعيم الأحابيش: إنما كل ما رأيت هو مكيدة من محمد وأصحابه، فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به (?).
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عالمًا ومستوعبًا لشخصية الحلس ونفسيته، ويظهر ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: هذا من قوم يتألهون. فالواضح من هذه المعلومة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على معرفة تامة بهذا الرجل، وبحكم هذه المعرفة قد درس شخصيته دراسة موضوعية وذلك بما كان عنده من حب شديد من التعظيم للحرمات والمقدسات والعمل على الاستفادة الكاملة من هذا الجانب في كسب المعركة، وعلى هذا الأساس فقد قام صلى الله عليه وسلم بوضع خطة محكمة مناسبة تقضي بوضع الحقائق كاملة أمام هذا الرجل وإظهار موقف المسلمين أو على الأقل وقوفه على الحياد في هذا الصراع.