السيف قائلاً له: اكففْ يدك عن مس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم للذي يجري بين عروة المشرك وبين ابن أخيه المؤمن، ولما كان المغيرة بن شعبة يقف بلباسه الحربي متوشحًا بسيفه ودرعه وعلى وجهه المغفر، فإن عمه عروة لم يكن باستطاعته معرفته، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في أشد الغضب، ليت شعري من أنت يا محمد؟ من هذا الذي أرى من بين أصحابك؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال
له عمه: وأنت بذلك يا غُدر؟ لقد أورثتنا العداوة من ثقيف أبد الدهر، والله ما غسلت غدرتك إلا بالأمس. كان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء.
لقد فشل عروة في مفاوضاته، ورجع محذرًا قريشًا من أن تدخل في صراع مسلح مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال لهم: يا قوم, والله لقد وفدت على الملوك؛ وفدت على قيصر, وكسرى، والنجاشي، وإني والله ما رأيت ملكًا قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمد وأصحابه، والله ما يشدون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يكفيه إلا أن يشير إلى أمر فيُفعل، وما يتنخم وما يبصق إلا وقعت في يدي رجل منهم يمسح بها جلده، وما يتوضأ إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه بشيء، وقد حزرت القوم، واعلموا إنكم إن أردتم السيف، بذلوه لكم، وقد رأيت قومًا ما يبالون ما يصنع بهم، إذا منعوا صاحبهم، والله لقد رأيت نسيات معه، وإن كن ليسلمنه أبدًا على حال، فروا رأيكم، وإياكم وإضجاع (?) الرأي, فمادوه يا قوم، اقبلوا ما عرض فإني لكم ناصح مع أني أخاف ألا تنصروا عليه؛ رجل أتى هذا البيت معظمًا له، معه الهدي، ينحره وينصرف، فقالت قريش: لا تكلم بهذا يا أبا يعفور (?) , لو غيرك تكلم بها للمناه، ولكن نرده عن البيت في عامنا هذا ويرجع قابل (?).
لقد انتقلت الحرب النفسية وتأثيرها في صفوف المسلمين لتعمل داخل جبهة قريش وفي نفوسهم، فقد كان تصوير عروة لما رآه صادقًا، حيث بيَّن لقريش وضع المسلمين في الحديبية، من طاعتهم لنبيهم الكريم وحبهم له وتفانيهم بالدفاع عنه، وبما يتمتعون به من معنويات عالية جدًّا، واستعداد عسكري ونفسي يفوق الوصف، فكان ذلك بمثابة التحذير الفعلي لقريش بعدم التعجيل والدخول في حرب مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مما قد تكون نتائج هذه المعركة لصالح المسلمين، الأمر الذي أسقط في أيدي زعمائها، ولم تكن قريش تتوقعه أبدًا في تقويمها للأمور، لقد كان وقع كل كلمة قالها سيد ثقيف كالصاعقة على مسامع نفوس زعماء قريش، لقد كان صلى الله عليه وسلم موفقًا من قبل الله تعالى، ولذلك نجد أثره على عروة بن مسعود, مما جعل الانشقاق يدب في