كيف كانت الدعوة إلى مثل هذا الامتحان الصعب من الخروج إلى القتال في سبيل الله في تبوك في هذه الظروف الصعبة؟ كان الرسول عليه الصلاة والسلام يريد تحقيق هدفين رئيسين من هذا الامتحان: الهدف الأول: أن المؤمنين الصادقين ينجحون في الامتحان، فهو لا يريد لهم الفشل في هذا الامتحان الصعب، نعم هو امتحان صعب، لكن في نفس الوقت كان عنده أمل كبير أن ينجح أكبر عدد من المؤمنين.
الهدف الثاني: أن يكشف أوراق المنافقين في داخل المدينة ويعرفهم جميعاً.
وإن كان الرسول عليه الصلاة والسلام يستطيع معرفة المنافقين عن طريق الوحي، لكن لابد أن يتعلم المسلمون الطريقة التي يستطيعون بها اكتشاف المنافقين في داخل الصف؛ لأنه بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام لن يكون هناك وحي.
فماذا صنع النبي عليه الصلاة والسلام لتحقيق هاتين الغايتين؟ قرر صلى الله عليه وسلم القيام بعمل يحقق المصلحتين سوياً، وهو فتح باب الجهاد علنياً، ودعوة الجميع للجهاد في سبيل الله بالمال والنفس على العلن، فكانت دعوة عامة لكل من يستطيع أن يجاهد بماله لتجهيز الجيش الضخم الذي يخرج في تبوك، وهذا حدث غير متكرر في السيرة النبوية؛ لأن هذه الفترة تميزت بوجود عدد كبير من المنافقين في الدولة الإسلامية على خلاف الفترات السابقة.
وحدث ما توقعه صلى الله عليه وسلم وتمايز الصف تمايزاً واضحاً، وهذا ما يحدث دائماً عند الأزمات الخطيرة التي تمر بالأمة، فعندما يرى المؤمن إخوانه المؤمنين بدءوا بالدفاع سيدفع معهم، ومن ثم يحاول أنه ينجح في الامتحان، وربما يوفق وينجح إن شاء الله، والمنافق لا يستطيع المشاركة علناً مع الناس؛ لأنه منافق وضعيف وإيمانه مهزوز فيعلن صراحة أنه لا يستطيع أن يجاهد في الصف، وبذلك يتمايز الصف.