الآثار المترتبة على وجود أسرى بدر في أيدي المسلمين

الأثر الخامس لغزوة بدر: أثر الأسرى الذين أسرهم المسلمون في غزوة بدر، تعلمون أن المسلمين أسروا سبعين من المشركين في غزوة بدر، فيا ترى! كيف يتم التصرف فيهم؟ فإن لم يكن بعد تشريعاً وأمراً مباشراً بالوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في التصرف في الأسرى، فكان من اللازم أن يتصرف بطريقة من طرق التشاور كما اعتاد صلى الله عليه وسلم في حياته مع الصحابة، فجمع الصحابة، وكوَّن مجلساً استشارياً، وبدأ يسألهم: ماذا نعمل في الأسرى؟ فقال أبو بكر المستشار الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً).

إذاً: أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يقدم رأياً يغلب عليه جانب الرحمة يقول: هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، نأخذ فدية، والفدية هي أموال، يأخذونها لحاجتهم الماسة إليها، خاصة وأنهم يؤسسون دولة، وفي نفس الوقت لو عاشوا قد يهديهم الله سبحانه، ولو قتلناهم فإنهم سيموتون على الكفر.

وكان أبو بكر الصديق له اختيارات شديدة الشبه باختيارات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت طبيعته قريبة جداً من طبيعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان دائماً يغلب عليه جانب الرحمة، وكان صلى الله عليه وسلم يصفه ويقول: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه)، هذا كان رأي الصديق رضي الله عنه.

فقال صلى الله عليه وسلم للمستشار الثاني: (ما ترى يا ابن الخطاب؟! قال: والله ما أرى ما رأى أبو بكر وتمكن علياً من عقيل بن أبي طالب أخيه فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم).

إذاً: كان رأي عمر بن الخطاب حاسماً شديداً، فقد رأى أن يقتل السبعين وليس ذلك فقط؛ بل كل واحد يقتل قريبه، حتى يظهر كل مسلم لله عز وجل أنه ليس في قلبه حب لأي مشرك حتى ولو كان من أقرب أقاربه، هكذا كان رأي عمر، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول في عمر: (أشد أمتي في أمر الله عمر) رضي الله عنه وأرضاه.

إذاً: هذان اختياران، والاثنان مبنيان على حب كامل لله عز وجل، وحب كامل لأمر الدعوة وأمر الدولة الإسلامية، لكن كل واحد له طريقة، والثنان مختلفان تمام الاختلاف، واحد يقول: نأخذ الفدية، والآخر يقول: نقتل الأسرى.

قال عمر رضي الله عنه: (فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر الصديق) هذه رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: (فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر يبكيان، فقلت: يا رسول الله! أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما، فقال صلى الله عليه وسلم للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة، وأشار إلى شجرة قريبة) يعني: كاد العذاب يصيب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لأنهم اختاروا أمر الفداء؛ فالأولى في هذا الموقف ما أوحى الله عز وجل به إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بأن يثخن في الأرض، أي: بأن يقتل الأسرى؛ لأن هؤلاء كما قال عمر صناديد الكفر وأئمته وقادته في الأرض.

وأنزل الله عز وجل قوله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال:67] أي: أنتم تريدون الفداء والأموال، {وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:67].

ثم قال: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:68]، هذا العذاب العظيم كان يقصده الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رآه عمر يبكي هو وصاحبه.

فإن قيل: ما هو الكتاب الذي سبق؟

صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي سبق هو الآيات التي نزلت قبل ذلك في سورة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل في حق الأسرى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4]، يعني: أمر الفداء أمر مشروع، وكان الأولى أن يثخن في الأرض كما قال الله عز وجل، لكن أخذ الفداء كان أمراً شرعياً كما ذكر الله عز وجل.

وكان على نفس رأي عمر بن الخطاب رأي سعد بن معاذ رضي الله عنهما، وقد أدل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015