قامت قريش بالحرب النفسية على المسلمين بعد فشلها في إثارة الفتنة في المدينة بين المسلمين والمشركين أرسلت قريش رسالة إلى المسلمين، قالت: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم.
هذا أسلوب قديم وحديث، وما زلت قريش تستخدم التهديد والوعيد.
وهذا وإن كان يحتمل أنه من قبيل الحرب النفسية الوهمية على المسلمين، إلا أن المسلمين أخذوه مأخذ الجد والاعتبار، فالعقل لا يمنع أن تغزو قريش المدينة المنورة، أو أن تخطط لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد حاولوا أن يقتلوه أكثر من مرة، وآخرها كانت المحاولة التي تمت قبل الهجرة بقليل، وأرادوا أن يضربوا عنقه صلى الله عليه وسلم بأربعين سيفاً في وقت واحد حتى يتفرق دمه بين القبائل كما كانوا يقولون، ورصدوا لمن يقتله أو يأسره مائة من الإبل وهو مبلغ ضخم جداً، فلا يستبعد أبداً أن ترصد قريش مائة من الإبل لمن يتسلل إلى داخل المدينة؛ ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان كثيراً ما يبيت ساهراً حذراً من غدر قريش، وفي يوم من الأيام تعب صلى الله عليه وسلم من كثرة السهر، روى البخاري ومسلم: أن السيدة عائشة قالت: قال صلى الله عليه وسلم: (ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة، قالت: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح، فقال: من هذا؟ فقال: سعد بن أبي وقاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك؟ قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه، فدعا له صلى الله عليه وسلم بخير ثم نام).
هذا كان حال المسلمين في المدينة المنورة، الموقف فعلاً كان متأزمًا، وهذا الأمر لم يكن عارضاً، بل كان أمراً مستمراً، لم تقف حراسة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن عصمه الله عز وجل من الناس، وذلك لما نزل قول ربنا سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67].
لما نزلت هذه الآية أخرج صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة وقال: (يا أيها الناس! انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل) وأوقف صلى الله عليه وسلم الحراسة بذلك، وهذه خاصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد لعموم القيادات الإسلامية أن تحمي نفسها من أعدائها.
كما أن هذا التهديد لم يكن خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم فقط، بل كان لكل المؤمنين في المدينة المنورة، وخاصة القيادات الإسلامية، ونحن لا ننسى أن قريشاً رصدت مائة من الإبل لمن يأتي بـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه حياً أو ميتاً.
يقول أبي بن كعب رضي الله عنه: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح، ولا يصبحون إلا فيه) فاغتيال الزعامات الإسلامية هدف لأعداء الأمة، لكن هذا التهديد لم يجد مع المسلمين.