جعل الرسول عليه الصلاة والسلام من أول يوم ثلاثة أسس رئيسية للأمة الإسلامية: الأول: الإيمان به وتعظيمه واليقين الكامل في قدرته وحكمته وأحقيته بالطاعة والخضوع، لا إله إلا الله، هذه كلمة عاش لها صلى الله عليه وسلم فترة طويلة من الزمان، من أول البعثة إلى أن مات صلى الله عليه وسلم وهو يزرع في الناس هذه الكلمة الموجزة جداً، التي توضح معنى عبادة الناس لرب العالمين سبحانه وتعالى، كان يمشي وسط المشركين في مكة المكرمة ويقول لهم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، قولوا: لا إله إلا الله تملكوا العرب والعجم)، فنجاة البشر بصفة عامة في الدنيا بقول لا إله إلا الله، ونجاة البشر يوم القيامة بقول لا إله إلا الله.
لكن ليس المقصود أن تقولها باللسان، فجميعنا يقول: لا إله إلا الله، من منا في حياته يطبق قول لا إله إلا الله؟ هل كان ينكر العرب أن الله عز وجل هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي خلق البشر؟ أبداً: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87] هذا اعتراف من الجميع، لكن المشكلة الرئيسة أنهم حكموا غير الله عز وجل في حياتهم، عبدوا الله عز وجل ظاهراً وطبقوا شرع غيره في كل جزئية من جزئيات حياتهم؛ لذلك كانوا من الكافرين، وخسروا الخسران المبين؛ من أجل عدم تطبيق كلمة لا إله إلا الله في حياتهم، والذين قالوها هم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ملكوا العرب والعجم كما وعدهم صلى الله عليه وسلم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، قولوا: لا إله إلا الله تملكوا العرب والعجم).
يقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54] الناس جميعاً تعترف أن الخلق لله، ما ادعى بشر قبل ذلك وإلى الآن وإلى يوم القيامة أنه يخلق، فالجميع يعترف أن الخلق قوة خارجة عن إرادة البشر وقدرتهم، وهذا يحيلنا جميعاً إلى الله عز وجل أنه هو الذي خلق، لكن من الذي يأمر؟ {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54].
لا إله إلا الله تقتضي أن تطيع الله عز وجل، إن هذا الكلام ليس بالسهل، بل كثيراً ما يتعارض مع مصلحتك في الظاهر، والشرع كله مصلحة؛ واتباع شرع ربنا سبحانه وتعالى يحقق لك المصالح في الدنيا والآخرة، لكن عين الإنسان القاصرة أحياناً لا ترى الخير، ولا ترى الحق والصواب في أمر من الأمور، وتظن أن اختيارها أفضل مما اختاره رب العالمين سبحانه وتعالى لها، وهذا ضعف إيمان، فلابد أن تؤمن إيماناً يقينياً بقدرة رب العالمين سبحانه وتعالى على أنه يختار الاختيار الأفضل لك ولأمتك، سواء في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم أو في زماننا، أو إلى يوم القيامة في كل مكان في الأرض؛ لأن هذه حقائق ثابتة، والإنسان إذا كان عنده تردد في هذا المعنى فهذا ضعف إيمان؛ ولهذا مكث الرسول صلى الله عليه وسلم (13) سنة كاملة من مجموع (23) سنة من البعثة كلها يزرع هذا المعنى فقط، ويركز تركيزاً كاملاً على معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يعمل من أجل لا إله إلا الله فترة طويلة جداً من الزمان، وحرص في فترة المدينة المنورة على تأكيد هذا المعنى حتى مات صلى الله عليه وسلم.
إذاً: فالأصل الأول الذي لا تُبنى أمة الإسلام إلا به: لا إله إلا الله.